توقعات المصير المظلم للدولار .. امنيات ام مستقبل محتوم؟
فتح رضوان
25-01-2019 12:55 PM
هناك مشكلة حقيقية تتعلق بالدولار الامريكي وأكثر المتضررين من هذه المشكلة هي الدول النامية حيث لا يعني المصطلح في أغلب الحالات سوى دول مسروقة وخاضعة للاستبداد السياسي وتنعدم فيها الحرية وضررها من انهيار الدولار يعني أن أرصدة لصوصها المودعة بالدولار ستفقد قيمتها وهذه الأموال قد تكون عشرات أضعاف ديون هذه الدول للبنك الدولي على سبيل المثال.
أصبح الدولار مرجعية نقدية متفق عليها فثلثي الاحتياطي النقدي في العالم بالدولار ومعظم المبادلات النقدية في العالم بالدولار حيث تبلغ قيمة المال المتداول عالميا حوالي سبعين تريليون دولار وهذا الرقم لا يعد شيئا قياسا بقيمة موجودات العالم اذا سعرناها الان بالدولار.
ولكن هل يستدعي انهيار الدولار لو حصل كل هذا الفزع الذي يثيره أصحاب الفيديوهات ذات العلاقة في كل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، الجواب قطعا لا لأن المال ( الذي يتداوله الناس في هذا الوقت من التاريخ بالدولار) هو نقد متفق عليه عالميا لكنه غير مغطى بالذهب أي أنه يعتمد في قيمته على بقاء أمريكا سيدة العالم.
الجدير بالذكر هنا أن الذهب هو أيضا تقييم اصطلاحي عن المال الذي هو ناتج إما عن العمل أو عن قيمة المورد أو السلعة المسعرة بالدولار حاليا وبالذهب تاريخيا ببساطة المشتري يشتري من البائع إما وقتا ينفذ فيه البائع عملا أو يعطي البائع موردا يحوّله المشتري الى قيمة أعلى باستخدام الوقت.
إذا الدولار الصادر عن أمريكا هو اصطلاح لقيمة الوقت والجهد والمورد متفق عليه عالميا طالما أن أمريكا تتولى إدارة النظام العالمي وتضبط توازناته وتمنع سوء استخدام الدولار أو طباعته بأكثر مما ينبغي لأن ذلك يشكل خطورة على قيمته فقيمة الذهب مثلا في ندرته وديمومته كمعدن صعب التحلل ومحدود الكمية.
اذا لماذا يجب أن لا يثير انهيار الدولار كل هذا الفزع لأن انهيار الدولار لا يعني يوم القيامة ولا انعدام البائع والمشتري والوقت والمورد ولأن العالم سرعان ما سيجد البديل حتى لو حدثت صدمة فهي محدودة الأثر على المستوى العالمي ولكن الكارثة والطامة الكبرى هي على المتلحفين بالدولار من المستثمرين وكانزي أموالهم بالدولار وسارقي شعوبهم حلفاء أمريكا من قادة الدول وعلى رفاهية وطريقة عيش الأمريكيين.
وقبل أن نناقش المسألة من جوانبها المختلفة ونقدّم النصيحة لأصدقائنا الأمريكيين وللأثرياء العرب لا بد من الإحاطة بتاريخ الدولار اختصارا:
كان الدولار عملة ذهبية ثم تم طباعته ورقيا دون رصيد من الذهب ثم تم إجبار الأمريكيين على تداوله ثم أعيد تغطيته بالذهب وأنشأت أمريكا في الحرب العالمية الثانية نظاما مصرفيا عالميا اتفقت فيه مع ٤٤ دولة حول العالم على اعتماد الدولار المغطى بالذهب كعملة عالمية مرجعية تسعى الدول لامتلاكه عوضا عن الذهب طالما تبيع وتشترى به السلع وبقي ذلك قائما حتى حرب فيتنام وصدمة نيكسون عام ١٩٧٣ وإلغاء تغطية الدولار بالذهب فأصبح الدولار حينها مستقلا عن الذهب وأصبح الذهب سلعة بسعر هائل وأصبح النقد بالدولار لا يعدو كونه التزاما من الدول بتداول هذه العملة وظل الدولار بفضل قوة السيطرة الأمريكية على العالم واقتصاده هو معيار وأداة قياس قيمة العملات الورقية حول العالم، أي باختصار الدولار الان محروس بقوة الطائرة الأمريكية والبارجة الأمريكية والإدارة الامريكية وقوتها الناعمة وكذلك وهذا الأهم أنه لم يكن من مصلحة أي دولة في العالم عند فك ارتباط الدولار بالذهب أن تتخلى عن الدولار وخاصة تلك الدول العظمى التي كدست وتكدس الدولار لأنها ستخسر أموالها وفي نفس الوقت بقيت أمريكا ملتزمة بقيمة عملتها وبقائها كمؤشر لغنى أو فقر الدول بقدرتها على هذا امتلاك الورق الأخضر المسمى بالدولار الأمريكي.
إذا صدمة نيكسون أصبحت واقعا ورضخت لها الدول وألزمت أمريكا العالم ببيع وشراء النفط بالدولار وخاصة دول الخليج العربي واندفعت أمريكا أكثر وأكثر وازداد نشاط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وأصبحت الدول إما دائنة أو مدينة بالدولار.
دعونا الان ندخل صلب الموضوع وموضوع المقال لأننا أصبحنا بعد سرد الحقائق أعلاه قادرين على فهم ميكانيكيات عمل الدولار والعوامل المؤثرة فيه ضعفا وقوة وأصبح لدينا القدرة أيضا على تمييز عدو الدولار من صديقه ودعونا نضع أمام القارئ الكريم استنتاجاتنا والعبر التي نراها حسب أهميتها.
اول خطر على الدولار هو انغلاق امريكا على نفسها فأمريكا يجب أن تبقى متحركة وفاعلة ومشاركة وملتزمة بقيم الحرية والعدالة والمساواة، أي يجب على أمريكا حتى تضمن بقاءها دولة امبراطورية أن تحافظ على أخلاقياتها ، فقد انحرفت كثيرا عن خطها الأخلاقي بعد ان انضمت للحلفاء ضد عدوانية وعنصرية هتلر ولا يكفي أن تبقى القيم الأمريكية حبيسة الحدود الأمريكية حيث أن الدول الإسلامية الكبرى كتركيا وماليزيا وأندونيسيا قد تمثل بديلا أخلاقيا عنها في القريب العاجل والإسلام هو دين يستحيل انفكاك ريع سكان الأرض وهم المسلمون عنه ولكن يمكن ببساطة الانفكاك عن أمريكا التي لا تمثل أكثر من خمسة في المائة من سكان العالم.
الخطر الثاني على الدولار هو الفائدة البنكية فسارقي ثروات الدول والشعوب حول العالم وحتى من يدخره ويبقيه غير فاعل بالمعنى الحقيقي حول العالم هو سعر الفائدة والأخطر من ذلك أن الدول المدينة بالدولار ستصبح عاجزة عن السداد وسينهار عدد كبير من الدول حول العالم حيث تبلغ الديون العالمية حاليا مائة وثمانين تريليون دولار والمتهم الأول سيكون البنك الدولي الذي تحتضنه أمريكا أداة لسيطرة غير أخلاقية على العالم وبالتالي الى جانب ضرورة إصلاح نظام أمريكا أخلاقيا لا بد من تعديل ثوري في نظامها الاقتصادي بتجريم الفائدة أو على الأقل الحد منها بشكل حاسم وصولا الى الغائها وهذا سيؤدي الى فيضان تنموي حول العالم وامتلاك أمريكا لكم هائل من الاستثمارات في التنمية مما يعني قدرة أمريكا رويدا رويدا الى اعادة ربط الدولار بالذهب وتخفيف التضخم وتجنب الإفلاس العالمي الذي سيكون أثره مؤقتا عالميا ولكنه سينهي سيطرة أمريكا على مفاصل الاقتصاد العالمي.
الخطر الثالث على الدولار هو حكام العالم الثالث وتمكنهم على عين أمريكا وبمعرفتها التامة من سرقة الأموال التي يقترضونها بالدولار وإيقاف حركة هذه الأموال حول العالم - فلا يمكن أن تتم سرقة الأموال دون علم أمريكا والدليل أن من يرسل ورقة مائة دولار لعائلة فقيرة في اليمن أو أفريقيا يتعرض للمساءلة فكيف لا يتعرض للمساءلة والعقاب من ينقل المليارات حول العالم، فهؤلاء اللصوص من حكام العالم الثالث أو لوبيات تبييض الأموال والذين يقايضون الخضوع للأجندات الأمريكية بسكوت أمريكا عن سرقاتهم واحتكارهم الدولار هم أعدى أعداء أمريكا ومن يسكت عنهم من المسؤولين وأصحاب القرار في أمريكا يجب ان يحاكم بتهمة الخيانة العظمى لمصالح الشعب الأمريكي.
إن من حسن حظ أمريكا أن الصين لا تصلح بديلا عنها فنظامها السياسي مستبد وهي غير حريصة على حقوق الإنسان حتى في إثنيات شعبها حتى تكون لها تجربة ناجحة في ذلك عالميا واستمرارها يعتمد على قوة الاقتصاد الأمريكي واستثمار الشركات الأمريكية والغربية فيها كما أنها منغلقة اجتماعيا وبالتالي لا تعني كثيرا لشعوب العالم لا أخلاقيا ولا حتى اقتصاديا إن أحسنت أمريكا التصرف حتى لو قال البعض أن الاقتصاد الصيني اقتصاد حقيقي بينما هناك نسبة كبيرة من الوهم والتنمر في قوة الاقتصاد الأمريكي.
لقد شكلت الإدارة الإمريكية بعد الحرب العالمية الثانية نموذجا رائعا في الإدارة والتفاعل الاقتصادي والثقافي وقبول الاخر وبقيت محافظة على تنوعها الثقافي والاجتماعي ولكن فعل اللوبيات غير الأخلاقي في أمريكا واستغلالهم لثغرات قاتلة في القوانين والقدرة على حشد وسائل الإعلام واستغلال نسبة جهل لا يمكن تجاهلها في الوسط الاجتماعي الأمريكي والسماح باستفحال السيطرة السياسية للبنك الدولي على قرارات الدول المدينة للبنك لتحقيق أهداف سياسية
والسماح لطغاة العالم باستعباد شعوبهم وسرقتها، هذه العوامل هي عوامل تقويض أمريكا والدولار معا وبالتالي فعلى الجمهور الأمريكي ووطنيي أمريكا إعادة حساباتهم بدقة فالشعب الأمريكي مرة أخرى لا يشكل أكثر من خمسة بالمائة من سكان العالم وحفاظه على مكتسباته يعني بالضرورة قدرته على إبقاء ثقة الأغلبية العظمى من سكان العالم به وإلا فإن ساعة الحقيقة وانتصار المسحوقين حول العالم قد تأتي في أية لحظة فلتستيقظي يا أمريكا فالعالم يتجه شرقا حيث ليس الثروات فقط بل معظم سكان الأرض وحاجات تنمية تحتاج مائة عام من العمل الدؤوب فأين سيكون الدولار حينئذ إن أساءت أمريكا التصرف وبقية واهمة أن العالم سيبقى لعبة في يد لوبياتها التي لم يعد الشعب الأمريكي يعني لها شيئا.