كان واضحاً أنهم بحاجة إلى اللجم, هؤلاء المتطفلين على السياسة, وعلى الوطن, وعلى مفاهيم الوحدة الوطنية والانتماء, اللذين لم يفهموا, أو تجاهلوا أن الوطن الاردني يحمل رسالة الهاشميين, باعتبارهم الأكثر أهلية لقيادة الامة, وأنه وطن كل العرب المؤمنين برسالته, وأنه وطن ينتمي إلى مفاهيم الوسطية والتسامح في الاسلام, وكان واضحاً أن ذلك لن يكون مجدياً, إلا إن جاء من صوت الحق الذي يعرفه الأردنيون ويثقون به, وينتظرونه كلما بدى أن البوصلة حائرة, أوغير قادرة على تحديد الاتجاهات, وكان أن انطلق صوت عبد الله الثاني من مقر قيادة الجيش المصطفوي, قوياً وواثقاً وحاسماً, وكانت الكلمة الفصل " كفى ".
الاصوات التي نعقت منذرة ضد وطننا, لم تكن أكثر من صدى لاصوات المهووسين في اسرائيل, أو صدى لأصوات الذين يتنافخون وهم يدعون عن بعد للجهاد, تحت رايات الولي الفقيه, والذين بشرونا بهوية ثالثة في هذه البقعة من أرض الله تجاهلوا أن الهوية الاردنية عميقة في جذر الارض وضاربة في التاريخ منذ شيد الانباط مدينة البتراء, ومنذ روى جعفر ابن عبد المطلب تراب مؤتة بالدم الشريف, ومنذ تجمعت الجيوش بقيادة ابن الوليد عند اليرموك, لتخوض المعركة الفاصلة مع الروم مطهرة هذه البقاع المقدسة منهم, ومنذ استشهاد الملك المؤسس على عتبات الاقصى وهو يدرك أن سياساته وحدها القادرة على حماية اولى القبلتين, والى ان تسلم الراية عبد الله ابن الحسين فاعلاها خفاقة فوق كل الذرى, محمية بسواعد أصحاب الكفافي الحمر والعيون الحمر.
الذين ظنوا أن "حيط الاردن واطي" واهمون أو متآمرون, أو جهلة بتاريخ الأردن والأردنيين, لم يتعرفوا إلى وصفي التل وحابس المجالي والأمير زيد ابن شاكر وصلاح أبو زيد وسمير الرفاعي وسعيد المفتي, ولم يقرأوا في كتاب تاريخنا ما أبدعه عسكرنا في معركة الكرامة وقبلها في جنين وقبلها في باب الواد, لم يقرأوا تجربة عوده أبو تايه حين استنفر جيوش صحرائنا لتقاتل تحت رايات الثورة العربية الكبرى, ولم يشموا رائحة النجيع الطاهر في باب الواد وعلى أسوار القدس, وهؤلاء بطبعهم يحاولون اليوم الالتفاف على ما كانوا يشيعونه, وهم ينقلون بنادقهم الى الكتف الاخر, وكأن ذاكرتنا قادرة على نسيان جريمتهم بحق هذا الوطن, وهؤلاء يحتاجون منا الى العزل مرة واحدة والى الابد لنتخلص من شرورهم.
"يكفي", فالوحدة الوطنية أكثر رسوخاً مما يتخيله المرجفون, والأردن من الرمثا وإلى العقبة, ومن حدود الماء إلى حدود الصحراء, هو وطن كل الاردنيين, الذين يحملون هويته, ويحمون هويته, ويفخرون بهويته ويدافعون عنها, المنتمين إليه تراباً وتاريخاً وفكراً ورسالة, والمستعدين لتقديم دمهم لتسييج حدوده ضد كل الطامعين, والوحدة الوطنية خط أحمر, ليس فقط لأن قائد الوطن يراها كذلك, وإنما لأن كل أردني شريف مستعد للموت في سبيل الحفاظ عليها نقية وفوق كل الاعتبارات, ووحدتنا الوطنية التي صمدت في وجه كل المحن قادرة اليوم وغداً على لجم كل المتطاولين عليها, تحت لافتات الاقليمية والطائفية وصولاً إلى الجهوية مختبئين وراء شعارات قبيحة تتوسل الوطنية وهي منهم براء.
ذاكرة الوطن منيعة ومتوهجة, وقد حفظت أسماء كل الشرفاء المدافعين عنه, مثلما سجلت أسماء كل الذين حاولوا نهش لحمه, وتوظيف مقدراته في أجندات الغرباء والطارئين على المبادئ النبيلة, التي بني عليها قلعة للقومية وملاذاً لكل المظطهدين, وهم إذ يحاولون اليوم, وبعد اتضاح مرميهم وأهدافهم التنصل من خطاياهم, فإنما ينسون مرة أخرى أن ذاكرة الوطن احتفظت بأسمائهم في صفحاتها السوداء التي يستحقونها, وتحت عنوان كبير " كفى ". الراي.