تمكنت القوات الاردنية اثناء تقدمها في احداث ايلول بين الجيش الاردني والفدائيين من القبض على اربعة من قادة الفدائيين واسرهم يوم 20 ايلول 1970 وهم : صلاح خلف ابو اياد ، وفاروق القدومي عضو اللجنة التنفيذية ورئيس التنظيم الشعبي في فتح ، وبهجت ابو غربية قائد جبهة النضال الشعبي ، وابراهيم بكر عضو اللجنة المركزية . وقد زارهم في مكان احتجازهم وزير الداخلية في الحكومة العسكرية صالح الشرع .
وقد دعا الرئيس جمال عبد الناصر لمؤتمر قمة عربي عاجل ، ولكن الحسين اعتذر عن حضور القمة شخصيا ، وارسل وفدا اردنيا مؤلفا من الزعيم محمد داوود رئيس الحكومة العسكرية واحمد الطراونة مستشار الملك وحازم نسيبة سفير الاردن في القاهرة . عقد المؤتمر في 22 ايلول 1970 باشتراك ملوك ورؤساء وممثلوا تسع دول عربية ، بينما تغيب رؤساء سورية والمغرب والعراق والجزائر . وقد اتخذ المؤتمر قرارا بارسال لجنة الى عمان لتثبيت وقف اطلاق النار ، برئاسة الرئيس السوداني اللواء جعفر النميري ، وعضوية الباهي الادغم رئيس وزراء تونس ، والشيخ سعد العبد الله الصباح وزير الدفاع الكويتي . وفي هذه الاثناء تقدم كل من صلاح خلف وفاروق القدومي المحتجزين لدى الجيش الاردني باقتراح الى الملك الحسين لحل النزاع ؛ على اساس انسحاب الجيش والفدائيين من العاصمة ، وان يقيم الفدائيون على الحدود ويتقيدون بانظمة وقوانين البلاد ، فاستجاب الملك لاقتراحهما في 23 ايلول 1970 ، ووافق النميري والوفد العربي على الاقتراح ، وفي المساء عاد النميري وصحبه الى القاهرة ، ومعهم الزعماء الفلسطينيين الاربعة الذين القى الجيش الاردني القبض عليهم اثناء تطهير عمان. بينما بقي ياسر عرفات متخفيا في جبل اللويبدة ،واعلن عدم موافقته على الاتفاقية التي عقدها القادة الاسرى الاربعة .
اما الرئيس السوري نو الدين الاتاسي فقد دعا لاستمرار القتال وحرض احدى التنظيمات الطلابية العربية التابعة لمنظمة الصاعقة السورية ويرأسها فيصل البطاينة باحتلال السفارة الاردنية في دمشق فاحتلها التنظيم لمدة ثمانية ايام .
وعاد الرئيس النميري الى عمان في 24 ايلول على راس وفد عربي من ستة اعضاء ، واجتمع مع الملك الحسين ومع ياسر عرفات في مخبأه السري ، حيث اقنعه بالموافقه على ايقاف القتال ، واذاع النميري رسالة من ياسر عرفات يامر فيها الفدائيين بوقف النار ، فيما امر الحسين الجيش بوقف القتال وتوقف القتال فعليا في 25 ايلول 1970 بعد ان استمر ثمانية ايام ، وعاد النميري الى القاهرة في 25 ايلول مصطحبا معه بشكل سري ياسر عرفات ، فيما رفضت فئات من المنظمات وقف القتال واستمرت بالعمليات الحربية بشكل متقطع .
وفي 24 ايلول ايضا اعلن الزعيم محمد داوود رئيس الوزراء في الحكومة العسكرية من القاهرة تقديم استقالته من رئاسة الحكومة العسكرية التي استمرت لمدة تسعة ايام فقط ، وتالفت وزارة مدنية في 26 ايلول برئاسة احمد طوقان استمرت 35 يوما ، الا ان الحكومة الجديدة استقالت يوم 28 تشرين الاول 1970 فتألفت حكومة برئاسة وصفي التل .
وبعد عودة النميري اخذ يبالغ ويهول مما جرى في الايام الثمانية ووصف مااسماه المذابح في عمان ، وتحدث عن 5000 ضحية ، وادى ذلك التهويل الى تحامل بعض الدول العربية على الاردن ، فقداوقفت الكويت المساعدات التي اقرها مؤتمر القمة ، واقامت ليبيا جسرا جويا لمساعدة الفدائيين . مما ادى بالملك الحسين بالذهاب بنفسه الى القاهرة في 27 ايلول 1970 واجتماع مع الزعماء العرب واطلع على الوضع بالتفصيل ، حيث عقدت اتفاقية القاهرة التي وقعها الملك وياسر عرفات وشهد عليها ملوك ورؤساء مصر والسعودية وليبيا ولبنان والكويت وتونس واليمن .
ووصل الباهي الادغم الى عمان يوم 28 ايلول فاجتمع مع ممثلي الاردن في اللجنة العربية راضي العبد الله ورياض المفلح ، واجتمع مع ممثل المنظمات المحامي ابراهيم بكر .
وتالفت لجنة عسكرية عربية لمراقبة وقف اطلاق النار برئاسة العميد احمد عبد الحميد حلمي من مصر ومعه 100 ضابط من مصر والسودان والكويت وتونس والسعودية ، وتم الاتفاق على ان تغادر مجموعات الفدائيين الباقية في عمان والمدن الى خارجها وتتجمع في غابات جرش وعجلون ، قبل ان تعود لقواعدها القديمة على الحدود ، وفي 4 تشرين الاول 1970 تم اتفاق بشأن مدينة اربد لفتح الطرق وخروج المسلحين .
وقد اسفرت احداث ايلول عن خسائر اعلنها وزير الاعلام الاردني ، وهي سقوط 700 قتيل و 1300 جريح ، بينما قالت المنظمات ان القتلى 15 الفا ثم رفعت الرقم الى 25 الفا ، وقيل ان العاصمة تهدمت بالكامل كما نقلته اذاعات المنظمات والدول المؤيدة لها ، وان جثث القتلى في الشوارع ، ــ وقد ظننت انا كاتب هذه السطور ان العاصمة تهدمت فعلا ، ولكنني ذهبت الى عمان مع مجموعة من الزملاء حيث كنت ادرس في العاصمة فلم اجد دمارا على الاطلاق ، مجرد اثار طلقات الرشاشات والبنادق والقذائف البسيطة ، لا تزال اثارها على المباني في وسط عمان الى اليوم ، كما شاهدت بنفسي الدفاع المدني ياتي بجثث المدنيين بشاحنات وقلابات ويحفرون لهم قبورا جماعية في منطقة مرج الحمام ولم تكن الجثث كثيرة ــ .
وخلال الفترة 17 ايلول الى 16 تشرين الاول 1970 اصدر المشير حابس المجالي الحاكم العسكري العام 164 بيانا كان يلخص فيها ما يجري اولا باول اثناء اخراج الفدائيين من المدن .
وفي 29 ايلول 1970 توفي في القاهرة بشكل فجائي الرئيس جمال عبد الناصر بعد ان ودع القادة العرب في المطار مباشرة .
وفي 13 تشرين الاول 1970 وقع بروتوكول عمان لتنفيذ اتفاقية 13 تشرين الاول لتنظيم التعايش على الارض الاردنية للطرفين .
وفي 16 تشرين الاول صدرت الارادة الملكية بانهاء تعيين المشير حابس المجالي حاكما عسكريا عاما . وبعد يومين صدرت الارادة الملكية السامية بتعيين وصفي التل رئيسل للوزراء . ورغم كل الاتفاقات كانت تدور بعض الاشتباكات بين الطرفين كما حدث يوم 9 تشرين الثاني1970 حين لم يلتزم الفدائيون بالاتفاق ولم يخرجوا من احياء الاشرفية والتاج والنصر وهملان والمحطة والهاشمي وحي المصاروة بجبل عمان . وفي 16 تشرين الثاني سيطر الجيش على ثغرة عصفور لتامين الطريق الى الشمال ، وفي نفس اليوم تم تسريح وترحيل المعتقلين السوريين والعراقيين الى بلادهم ، وجمعت الاسلحة من الميليشيا . وفي 5 و6 كانون الاول 1970 قام الفدائيون باحتلال مدينة جرش ونهب مخفر الشرطة بعد قتل خمسة من افراد الامن واختطفوا عددا من المجازين العسكريين و40 شرطيا .
وفي 13 تشرين الثاني 1970 حدثت حركة التصحيح في سورية ووصل وزير الدفاع وقائد الطيران الفريق حافظ الاسد الى سدة الحكم ، فزج فورا بصلاح جديد ونور الدين الاتاسي ويوسف زعين وضافي الجمعاني قائد منظمة الصاعقة وحاكم الفايز ومجلي نصراوين بالسجن .
وفي 16 كانون الثاني 1971 هاجمت بعض العناصر مخفرين للشرطة ، وجرى قتال متقطع في اربد ، وقبض الجيش على 384 فدائيا في مخيم البقعة ، كثير منهم من السوريين نقلهم الجيش الى الحدود السورية ، وفي الشهر نفسه بدأت القوات العراقية تغادر الاردن.
وفي 13 كانون الثاني 1971 تم التوصل لاتفاقية جديدة ، وتحديد مدة لجمع اسلحة الميليشيا والجيش الشعبي ، على ان يتم الخروج النهائي للفدائيين من عمان واربد وكافة المدن ، وقد وقع الاتفاقية رئيس الوزراء وصفي التل وابراهيم بكر ممثل الفدائيين ، الا ان الجبهة الشعبية والديمقراطية اعلنتا معارضتهما للاتفاقية ، وتجددت الاشتباكات في خلال الفترة من 11-16 شباط 1971 ، وطالب ياسر عرفات بقوات عربية لحماية الفدائيين في الاردن .
وقرر الحسين زيارة القاهرة بنفسه والاجتماع مع الرئيس انور السادات ، الا ان جريدة الاهرام نشرت في 22 شباط 1971 خبرا يقول ان مصر ترحب بالملك حسين شريطة ان لا يرافقه رئيس وزرائه وصفي التل فالغى الحسين الزيارة .
وفي اذار وقعت اشتباكات منتقطعة في اربد فاحكم الجيش السيطرة على المدينة نهائيا في 26 اذار 1971 ، وفي 28 اذار وجه الباهي الادغم عضو اللجنة العربية اتهاما للحكومة الاردنية بانتهاك الاتفاقيات ، واعلن انهاء لجنته وسحبت الدول ضباطها من الاردن .
واستمرت اعتداءات الفدائيين في الشمال في نيسان 1971 ، وفي 4 نيسان قررت اللجنة المركزية سحب بقية الفدائيين من عمان ، فاتموا انسحابهم في 9 نيسان ، وكان عدد اخر من انسحب 2000 رجل مع اسلحة تكفي لتجهيز فرقة كاملة ، ثم قامت الحكومة بعمليات تفتيش دقيقة للاحياء ، وتنظيفها من الاسلحة والذخائر .
وفي 8 نيسان 1971 توسطت سورية بين الطرفين الحكومة الاردنية والفدائيين ، حيث جاء اللواء مصطفى طلاس رئيس اركان القوات السورية ، واجرى محادثات مع الحسين والمسؤولين الاردنيين ، وفي 19 نيسان اعلن في دمشق التوصل الى اتفاق بين الاطراف الثلاثة ، وتالفت لجنة سداسية تحل محل لجنة المتابعة لتنفيذ الاتفاقات .
وفي 16 نيسان اعلن صلاح خلف ابو اياد في مؤتمر صحفي في عمان ان الاغوار هي المكان الطبيعي للفدائيين ،وان اخلاء عمان ضرورة حتمية ، وبعدها عاد الهدوء الى عمان بعد ثلاث سنوات من التوتر ، فيما اعلن عرفات ان النضال سيستمر الى ان يصبح الاردن القاعدة الرئيسية للثورة .
وفي ايار 1971 تعرض مصنع الفوسفات في الرصيفة لهجوم من عناصر فدائية ، وتعرضت بعض المزارع والمنشآات في الشمال الى اعتداءات ، فعرضت الحكومة على الفدائيين الانتقال لاماكن بعديدة عن السكان ، تنفيذا لاتفاق القاهرة فرفضوا، فقرررت الحكومة اخراجهم بالقوة ، فقامت القوات الاردنية بتطويق المناطق الحرجية قرب عجلون وجرش التي يتواجد بها الفدائيون ، وقد استمرت المعارك لمدة خمسة ايام من 13- 17 تموز 1971 ، واستسلم معظم الفدائيين للجيش الاردني فيما عبر النهر سبعين فدائيا سلموا انفسهم للقوات الاسرائيلية ، وفي اثناء الاشتباكات قتل ابو علي اياد ( محمد مصطفى شريم ) احد قادة فتح ، واستشهد ضابطان من الجيش هما الرائد محمد فياض سليمان جرادات من اليامون جنين ، والرئيس يوسف فالح الجرارحة من المزار الشمالي . وقد استشهد من القوات النظامية 6 افراد و 19 جريح . واستسلم للجيش 2300 فدائي .
وفي 28 تشرين الثاني 1971 اغتيل رئيس الوزراء الاردني وصفي التل في القاهرة وسقط شهيدا على ارض مصر ، وقد اعلنت منظمة اطلقت على نفسها " منظمة ايلول الاسود " انها هي التي اغتالته ، فخلفه في اليوم التالي احمد اللوزي رئيسا للوزراء .
وكان الاردنيون قد عقدوا عدة مؤتمرات اثناء الازمة ففي اوائل شباط 1970 عقد " مؤتمر ام رمانة" احدى قرى بني صخر ، بدعوة من الشيخ ظاهر الذياب الفايز اشترك فيه 200 شخص من مختلف عشائر الاردن ، اعلنوا استنكارهم لاعمال المنظمات الفدائية ، واعلنوا ولائهم للملك الحسين ، وطالبوه بالضرب بيد من حديد لكل من يتحدى الامن والنظام . وفي 20شباط 1970 عقد " مؤتمر الموقر" بدعوة من الشيخ نايف الخريشة اشترك فيه كافة شيوخ الاردن ، طالبوا المنظمات الفدائية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للاردن . وفي 11 اب 1970 عقد " مؤتمر صويلح " بدعوة من الشيخ مجحم العدوان اشترك فيه عدد كبير من شيوخ منطقة البلقاء ، ووضع المؤتمرون وثيقة استنكار لاعمال الفدائيين في المدن . وفي 4 ايلول 1970 عقد " مؤتمر الحسينية" بدعوة من الشيخ فيصل بن جازي شيخ مشايخ الحويطات اشترك في المؤتمر عدد كبير من اعيان ورجالات الاردن من شماله الى جنوبه . وعقدت مؤتمرات مماثلة في بلدة ادر في الكرك بدعوة من الشيخ فارس المعايطة . وفي الرمثا بدعوة من رئيس البلدية محمد رشيد البشابشة .
الى اللقاء في الحلقة القادمة ...