يحفل المشهد الاسرائيلي السياسي والحزبي بكثير من الملفات والقضايا التي تشي بأن ثمة في هذا المشهد ما يغري على المتابعة والتأمل، وبخاصة أن لا أحد بمقدوره الزعم ان ما يجري في اسرائيل لا يؤثر في شكل او آخر بما يجري في دول الجوار وفي المحيط العربي والشرق أوسطي إن لم نضف اليهما الدولي، ما يسقط في الان ذاته، المزاعم والادعاءات الفارغة التي تدعو الى الإغراق في الشأن المحلي والعربي وهم بذلك لا يدعون الى الانقطاع او التعرف إلى ما يحصل في دولة يعلم كثيرون انها تكتب جدول اعمال المنطقة منذ زمن طويل، وانما هم في مقارباتهم للشأن المحلي او العربي، إنما يلجون طرقا وأساليب ملتوية ومتحايلة تميل دوما للمجاملة والنفاق والارتزاق ولا تتعامل مع الأمور في قراءات نقدية أو متسلحة ببعد نظر بل هي اقرب الى التواطؤ والتمجيد والتنظير والأدهى من ذلك كله انها تعتمد خطابا متهافتا ولغة فقيرة، ركيكة ومتواضعة في تراكيبها ومعانيها وتكشف عن هشاشة وضعف وأمية حقيقية وفاضحة.

نحن إذا أمام مشهد اسرائيلي متوتر كما هو معقد ومتشابك إلا أنه وايضا يفسح المجال لوجهات نظر عديدة، صحيح انها في معظمها تميل نحو الفكرة الصهيونية الاستعمارية والاستئصالية والمؤيدة للاحتلال الوحشي الذي يبسط آلته العسكرية البشعة على الارض والشعب الفلسطيني منذ سنوات عديدة، وانما ايضا في ان النقاشات المفتوحة في المجتمع الاسرائيلي تهيئ لحلول ومساومات وصفقات داخلية بالطبع، يدرك المنخرطون فيها انها معرضة للانهيار او التقوض في حال حدوث أي طارئ كما يحصل الآن في قضية لائحة الاتهام التي - قد - يوجهها الادعاء العام ضد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان زعيم حزب اسرائيل بيتنا، والتي تنطوي على جرائم واضحة مثل الرشوة والابتزاز وتبييض الأموال وإعاقة سير العدالة والتي رأت مديرية التحقيقات في الشرطة انها كافية لتوجيه لائحة اتهام لرئيس الدبلوماسية الاسرائيلية (رغم انها جرائم ارتكبت قبل تسع سنوات لكنها لا تسقط بالتقادم في دول ذات جهاز قضائي وشرطي مهني ومحترف ولا يخضع لأوامر الوسط السياسي)، لكن القرار في النهاية وكما هو معروف في يد المستشار القانوني للحكومة - ميني مزوز - الذي قد يوافق الشرطة وقد لا يوافقها.

وإذ أفادت صحيفة يديعوت احرونوت على صدر صفحتها الاولى يوم اول من امس الخميس، أن رسالة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى شمعون بيرس قد أثارت موجة عارمة من الغضب في اسرائيل، لأن ساركوزي يضغط من خلالها على بيرس لتخفيف مدة عقوبة الفلسطيني (حامل الجنسية الفرنسية) صلاح الحموري، الذي أدين بمحاولة اغتيال زعيم حزب شاس الروحي عوفاديا يوسيف، إلا ان وزير الداخلية رئيس حزب شاس ايلي يشاي، يرفض بشدة هذه الضغوط، فإن اللافت في كل ما يجري هو ان الاسرائيليين حرضوا ومارسوا ضغوطا هائلة على الرئيس السابق جاك شيراك وساركوزي من بعده ووزير خارجية كوشنير لتوظيف كل ما لديه من أوراق ضغط على الفلسطينيين والعرب لإطلاق سراح الجندي الأسير جلعاد شاليط، بذريعة انه يحمل الجنسية الفرنسية وهي ضغوط استجابت لها باريس لكن حماس لم تتجاوب معها كون اسرائيل واصلت المماطلة ازاء صفقة تبادل الأسرى التي كادت ان تصل الى نقطة التنفيذ، لكن حكومة اولمرت تراجعت في اللحظة الأخيرة وتم نقل الملف الى حكومة نتنياهو التي لا تشعر بالذنب أو المسؤولية تجاه شاليط لأنه لم يتم أسره خلال نوبتها بل إن الذي غفى في نوبة الحراسة هو ايهود اولمرت ووزير دفاعه عمير بيرتس.

هل قلنا عمير بيرتس؟.

نعم.. فالرجل الذي جاء من بيئة يسارية وسطع نجمه من داخل الهستدروت (اتحاد النقابات العمالية) ثم وصل الى رئاسة حزب العمل، ما أدى في النهاية الى تسلمه حقيبة الدفاع واندلاع حرب تموز 2006 في عهده وبات معروفا على نطاق عالمي بأنه وزير الدفاع الذي شاهد معركة بالذخيرة الحية عبر منظار مغلق العدسات، ثم أطيح من رئاسة الحزب لصالح ايهود باراك.. ها هو اليوم يهزم مرة جديدة، هو وثلاثة من رفاقه في حزب العمل أمام الجنرال الذي يحتل منصب وزير الدفاع، لأنهم (بيرتس ورفاقه الثلاثة يولي تمير، ايتان كابل وأوفير بينيس) لم يستطيعوا تأمين أغلبية كافية للحؤول دون باراك وتمرير التعديلات التي طلبها باراك على دستور الحزب وخصوصا عدم السماح بإجراء انتخابات على رئاسة الحزب، إلا قبل عام من موعد الانتخابات النيابية العامة، ما يعني أن باراك - الذي اتهمه خصومه بأنه يشبه الرئيس البرازيلي هوغو تشافيز وبعضهم وصفه بصدام حسين - سيبقى رئيسا لحزب العمل حتى العام 2012.

اللافت في كل ما يجري داخل حزب العمل هو ان الكثيرين قد أبنوا هذا الحزب ورأوا انه يسير نحو التصدع والانشقاق حتى في ظل نجاح باراك الاخير الذي قد يطيل عمر الائتلاف الحكومي العنصري القائم الان (دون إهمال مصير مشاركة اسرائيل بيتنا في حال تم توجيه لائحة اتهام لليبرمان) وهو ما رصده ايتان هابر الكاتب في يديعوت احرونوت ومدير مكتب اسحاق رابين العمالي.

.. يجب اليوم انقاذ حزب العمل من نفسه ومن نشطائه الحزبيين، هنالك يتآمر كل واحد على اخيه، ولهذا لا يكاد يوجد أي احتمال ان ينشأ خير من القيادة الحالية، يوجد في هذه القيادة اليوم اشخاص تهمهم مصلحتهم ولا يقدرون حتى ان هذه فرصتهم الاخيرة، في المرة المقبلة سيستطيعون في أقصى حد التمطي على أريكة في البيت ومشاهدة قناة الكنيست يديعوت احرونوت 5/8/2009.


kharroub@jpf.com.jo
عن الراي.