لطالما مثلت المعارضة الأردنية منذ تأسيس الإمارة حالة متميزة عن الدول المحيطة، والدول العربية، بما امتلكته من مقدرةٍ على صياغة الحوار ولغته ومفاهيمه، بعيداً عن الإنتهازية.
والحالة الأردنية في معارضتها، كانت أقرب إلى الحوارات منها إلى المعارضة بمفهومها السياسي المستند إلى الشعارات والخواء (أو الغوغائية إن قلت)، لذا بقيت المعارضة الأردنية في محل السلطة.
ويمكن للمتأمل للتاريخ الأردني أن يقرأ كثيراً من الأسماء التي عارضت وعادت إلى تسلم مواقع قيادية في الدولة، فالمعارضة الأردنية جاءت بسياسيين وأنتجب مساحاتٍ من الحوار لا يمكن اغفال أهميتها لليوم في خلق تقليدٍ سياسيٍ متبع ونابعٍ من تسامح الهاشميين وسعة صدرهم.
وفي تاريخ الأردن الحديث كثير من الأمثلة على هذه الحالة من التسامح، لربما يعبر عنها الميثاق الوطني الأردني، وصياغته، حيث جلس رجال السلطة إلى جانب آخرين بالمعارضة محددين عناوين عملهم، وطرق الخروج من حالة الإنسداد السياسي، إلى رحب الديمقراطية التي أرادها الملك الحسين بن طلال (طيب الله ثراه).
ولطالما استحضر الأردنيون في أنديتهم ومجالسهم تاريخ وزراء وسياسيين تسلموا مواقع في الدولة، ويمكلون تاريخاً من المعارضة، لذا فإن الحالة الأردنية متجذرة في هذا السياق.
واليوم، ومع شح النخب في المشهد السياسي، ليس بالأردن وحسب، بل في المنطقة كلها، باتت الدول والمجتمعات تعاني من سياسيين أو هواة بعيدين ولا يمثلون حالة "الحوار" الأردنية الممتدة لعشرات السنين.
وهؤلاء، وعلى قلتهم، نراهم يمارسون انتهازية مفرطة، وغوغائية "بليدة" لا تنشد للوطن الخير ولا تتكلم بوجدانه وحاضره، لذا فعلينا إدراك أن هذه الفئة لا يعول عليها إلا في حدود "التسلية السياسية".
أما الأردن وقيمه وشرعيته وتاريخه كدولة هاشمية لها وجهٌ عربي يتطلع لبناء الإنسان فهي أكبر من هذه الحالة الطارئة.
فالحوار السياسي أفقه واسعٌ وضميره مدرك لتاريخ البلد، والمعارضة الأردنية تاريخياً أسلوبها أقرب للحوارات الوطنية بفضل السياسية الهاشمية الحكيمة، ومع ذلك يوجد لدينا في حاضرنا معارضة محترمة وتمتلك أدوات نقدية ومساحات حوارٍ ونقاط التقاء واجماع نابعة من تاريخ الوطن وقيمه، وما سوى ذلك تعبير لمرحلة "الجفاف " المعاشة.
حمى الله وطننا.