لماذا لم يطفئوا «الصوبة» قبل أن يناموا؟
حسين الرواشدة
23-01-2019 12:34 AM
كم عدد الضحايا الذين رحلوا بسبب الاختناق جرّاء استخدام التدفئة بشكل خاطئ، وهل كان بوسعنا ان نوقف هذا المسلسل المؤسف الذي يتكرر في بلدنا كل عام ..؟
ليس لدي احصائيات دقيقة حول الموضوع، لكنني اعتقد ان اعدادهم بالعشرات ( واذا اضفنا لهم ضحايا الغرق الذي يشبه الاختناق فقد يصل العدد الى مئات )، ومثل غيري من البشر اشعر بالحزن العميق حين اقرأ خبرا عن وفاة شخص او اسرة بكاملها بسبب الاختناق، لا لأنهم رحلوا عن هذه الحياة ومكابداتها فهذا قضاء الله وقدره، وانما للظروف التي انتهت بهم الى الوفاة، واعني -تحديدا - الاختناق، فهذه الكلمة من ابغض الكلمات لدي، وهي تذكرني بكل نقيض يمكن ان يخطر على البال لمفهوم الحياة، الحياة الكريمة لا مجرد العيش فقط..
ربما تراودك اسئلة كثيرة حين تسمع خبرا مثل هذا، كأن تقول: لماذا لم يطفئوا»الصوبة» او «الكيزر» قبل ان يناموا؟ او لماذا لم يحتاطوا بفتح الشباك مثلا؟ او: هل يعقل ان الهواء قد نفد تماما داخل الغرفة ولم يعد ثمة اوكسجين صالح للاستخدام البشري؟ او ربما تتمنى لو قادتك الاقدار اليهم فقرعت الباب لكي توقظهم من غفلتهم وتنقذهم من هذا المصير المشؤوم؟ لكن لم يخطر ببالك ابدا ان تفكر -للحظة - بأن تتواطأ على خنقهم، او ان تمرّ من الشارع وانت تعرف حالهم دون ان تنبههم لاطفاء «الموقد» قبل النوم، ولا ان يتهيأ اليك بان موتهم بهذه الطريقة سيفتح المجال امامك لمزيد من المتعة وكأن الدنيا لا تتسع الا لك.. او لهم.
هل يمكن ان يخطر في بالك مثل هذه الهواجس او ان تتورط فيها، هل يمكن ان تسمح لنفسك ان تكون قاتلا بـ»الاختناق»..؟ ابدا، لا اعتقد ذلك .
لكن هل تتصور ان الاختناق يقتصر فقط على مثل هذه الحالات التي تنتهي بحياة الناس بسسب عدم اطفاء صوبة او بسبب حريق مفاجئ ..؟
اكيد لا، حالات «الاختناق» لا تقتصر على انتهاء الاوكسجين بسبب مدفأة او انتشار دخان او غيرها مما تتناقله الاخبار، فثمة «اختناقات» مرورية، وثمة اختناقات نفسية، وثمة اختناقات «زوجية» واسرية واخرى سياسية واقتصادية ايضا، والاهم من ذلك اختناقات «الافكار» او محاولات خنقها باية طريقة.هنا يجب ان تنتبه لكي لا تجد نفسك متورطا في اي عملية «خنق» دون ان تدري.
حين تغيب الحرية يشعر احدنا -بالاختناق - لكنه اختناق ايجابي يدفع الى التمترس على تخوم الاصرار والنشاط.. والبحث عن مزيد من الحرية، اختناق المساجين ايضا يشبه هذا، واختناق الافكار المحبوسة، والقيم «الفاضلة» التي تعاني من الغربة، هذه الاختناقات تدفع الى الانتاج والترقي والتسامي، واصحابها لا يعانون من نقص في الهواء، ولا في الاكسجين، وانما من انكشاف الفضاء امامهم عن حقيقة ما حولهم.
كل شيء يمكن ان «يموت» بالاختناق، الا «الفكرة» هذه لها اوكسجين يشبه «الروح» تماما، طاقة لا يعرفها احد، ولا يستطيع ان يحاصرها او يطوقها احد، هذه - ايضا - لها دم خاص يصنع غذاءه بنفسه، ويتقن عملية «كلوروفيل» ذاتي، ويتفاعل داخليا مع عناصره لدرجة ان «كيمياءه» محصنة من العبث، وعصية على التطويع او التشكيل او غيره.
لا يجوز ان يشعر احدنا «بالاختناق» لأنه وجه آخر لليأس والاحباط، ربما يشعر بضيق في «التنفس» ولكن فضاءنا -رغم كل شيء - فيه مدى فسيح لاستنشاق الهواء.. الهواء الذي يريده هو..، ومدى أفسح للانطلاق نحو الحرية.. هذه التي لا يستطيع ان يصادرها احد.
الدستور