مساء الأحد وعلى أخبار الفضائيات كان هنالك خبران من فلسطين، الخبر الاول الذي اشغل الحالة الفلسطينية هو سفر اعضاء فتح من غزة الى الضفة ومنعهم من السفر الا إذا افرجت سلطة فتح عن معتقلي حماس، وكان احد قادة حماس من بيروت يعلن ان حماس ستسمح "للاخوة من حركة فتح" بالسفر الى الضفة اذا افرجت السلطة عن معتقلي حماس.
اما الخبر الثاني الذي مر بسرعة بعد خبر الأشقاء فهو قيام سلطات الاحتلال الصهيوني بطرد عائلتين من فلسطينيي القدس من عرب الشيخ جراح من بيتيهما ومنح البيتين لعائلتين يهوديتين، وهي خسارة مزدوجة، لان القدس ستخسر عدة مواطنين ممن يمثلون هويتها العربية وايضا سيكون استقدام عائلتين يهوديتين واحدة من خطوات تهويد الارض والسكان في القدس.
لكن اذا عدنا الى ملف الاشقاء الاعداء وهو مؤتمر فتح فإن على فتح وحماس ان يدركا انهما يقدمان أنموذجا رديئا ليس على الصعيد السياسي بل الانساني، لان الفلسطيني في قيادة كل سلطة لم يعد يرحم الآخر، ومهما كانت المبررات فاننا نجد كل طرف يُعتقل ويُعذب من الآخر، ونجد منعا للسفر، ونجد تهديدا متبادلا باعتقالات من كل طرف، ففتح هددت سلطتُها ان تعتقل قادة حماس في الضفة اذا تم منع اعضاء قيادتها من السفر، وحماس تهدد باعتقال من استطاعوا الخروج من غزة بطرق خاصة اذا عادوا الى غزة بعد المؤتمر، كل هذا يضاف الى عامين من الخلافات والقتلى والجرحى والمعتقلين والانقسام للأرض بل للقضية الفلسطينية.
كل طرف يملك ان يقدم ما يدين الآخر، لكن المحصلة اننا امام أنموذج أخلاقي رديء بين قيادتي شعب يعاني من ظلم الاحتلال وقمعه وسجونه.
والاخطر والاهم ان كل هذا يقدم تبريرا للمحتل الصهيوني ان يمارس القمع والاعتقالات والمنع من السفر، فما دام كل طرف وكل قيادة في غزة والضفة يتعسف بأخيه فيعتقله ويعذبه ويمنعه من السفر فماذا بقي من شيء نمارس بحقه ادانة الاحتلال وقمعه؟!
ليس هنالك ما يبرر جرائم الاحتلال وليس لها مثيل بإجرامها وتاريخها وآثارها، لكن تقديم نماذج ولو محدودة من قمع الاخ لأخيه وممارسة الاعتقالات المتبادلة والمنع من السفر وقبل ذلك ما نعرفه جميعا يجعل هنالك قمعا داخليا يظهر الى جانب القمع الصهيوني.
والاخطر سياسيا ان الاولويات الفلسطينية الرسمية تختلف بوصلتها من مواجهة الاحتلال الى المواجهات الداخلية. وهذا ما حدث فكل طرف معني بمواجهة الاخر والخبر الفلسطيني الأهم هو الخلافات والمواجهات السياسية. ولعل قضية سفر اعضاء فتح اخذت حوالي اسبوعين من الاهتمام وتدخل من دول للوساطة فماذا يقدم كل هذا لفلسطين.
لايجوز ان نقدم نماذج تجعل الناس تسخر من العمل الفلسطيني وتتهكم على قيادته وبخاصة ان العدو الصهيوني لم يوقف أي نشاط استراتيجي له من استيطان واعتقالات ومصادرة اراض، وكل هذا والخلاف الفلسطيني يدخل عامه الثالث وقد تحول الى واقع لكنه اصبح يمثل أنموذجا رديئا من قيادات يفترض ان عدوها هو المحتل وليس الانشغال بالذات واختراع قضايا لتعميق الخلاف.
على الأشقاء ان يدركوا ان ما يمارسونه هو جزء من تاريخ القضية الفلسطينية ولا يجوز ان يستمر بعث التلوث لتاريخ فيه شهداء ورجال عظماء بقصص آخر أهدافها السيطرة على سلطة وهمية فكيف لو كان الحال بوجود دولة حقيقية، وهي مرحلة أيا كان تبرير كل طرف لها فإنها اساءت كثيرا وهي مرحلة حولت رموز السلطتين الى رموز لاقتتال على سلطة وشكلياتها.
sameeh.almaitah@alghad.jo