يسعى الأشخاص الأسوياء في الحياة الخاصة إلى أن يكونوا محبوبين في محيطهم. وإن كان قول المتنبي "شر البلاد بلاد لا صديق بها" يصح إنسانيا إلا أنه ليس كذلك بالضرورة في المجال العام. ويكون المطلوب أن تغضب الجميع وتأنس بالوحدة مع ما تراه صوابا وتستوحش ولو مع الجموع في ما تراه باطلا. والأساس أن تحدق في المرآة فالإنسان على نفسه بصيرة لا أن يحدق في من يعجبون بقوله أو ينافقون له.
في الصحافة تغطية إخبارية ومقال وتعليق تكتسب الكثير من الخصوم، فالصحافي ليس موظف علاقات عامة دائم الابتسام في وجه الزبائن، الصحافي أقرب إلى شرطي السير الذي يوزع المخالفات. مهما كان الشرطي لبقا وباشا في وجهك فإن رؤيته لا تسر.
ما يزال دور الصحافي عندنا ملتبسا، فالدولة في العالم العربي ترى فيه جهاز دعاية وتعبئة، والمجتمع في المقابل يريده خط دفاع دائم عن مصالحه وقضاياه، والاستقطاب لا يظل ثنائيا فداخل الدولة تتضارب المصالح بين مجموعات النفوذ، والمجتمعات ليست موحدة دائما فكثيرا ما تتشظى إلى جماعات متنافرة.
عمن يعبر الصحافي إذن؟ يعبر عن نفسه فقط. يكتب لوجه الله، أي نخرج عبارة "والله من وراء القصد" من عبارة شكلية تذيل بها مقدمات الكتب إلى سلوك حقيقي. فليس سهلا أن تكون صحافيا، لأنك ستتخلى في مرحلة ما حتى عن نوازعك وأهوائك، وستغضب أقرب الناس إليك. وفي العموم ستكون في مواجهة مفتوحة مع الكبار.
عندما يكون الصحافي مع نفسه لا يكون متنبيا يزعم أنه يوحى إليه، هو مع ما تيسر له من معرفة محدودة، وقد يغير موقفه أن عرف أكثر أو اكتشف خطأ ما يعرف. ولكنه أمين مع قارئه فلا يخفي معلومة ولا يحرف ولا يكذب. فرق بين إخفاء معلومة تدليسا وبين تأجيل نشر معلومة بسبب العقبات القانونية والسياسية، والمهم هو الموقف الذي يتخذه الكاتب الصحافي بناء على ما تيسر له من معلومات، وليس المعلومة بذاتها.
ليس سؤالا بديهيا أن يكون الصحافي محبوبا، فاليوم يطالب الصحافي أن يكون مهرجا يثير البهجة في نفوس المسؤولين، وتجد من الصحافيين من يستمرئ الدور. البهجة زائلة وتظل الحقائق البشعة ماثلة للعيان.
الباحث عن الترفيه يمكن أن تجده في السينما والمسرح والدراما والفنون، ولتترك الصحافة السياسية تقوم بدورها المزعج. وكما قيل لعمر بن الخطاب "فلا تأسى على الحب إلا النساء".
yaser.hilala@alghad.jo