سيادة القانون .. الرحمة على روحه الطاهرة
فهد الخيطان
21-01-2019 12:41 AM
تنظر المحاكم حالیا بآلاف القضایا المتصلة بالاعتداء وسرقة المیاه والكھرباء تقدر قیمتھا بعشرات ملایین الدنانیر، ومخالفات سیر من الدرجتین الأولى والثانیة بمبالغ كبیرة جدا، وشیكات بملایین الدنانیر وجرائم إساءة الأمانة ومثلھا الكثیر. كل ھذه الحقوق للخزینة والأفراد ستسقط وفق التعدیلات الأخیرة على مشروع قانون العفو العام، ومعھا مبدأ سیادة القانون، الذي كافحت مؤسسات الدولة لتكریسھ في السنوات الأخیرة بعد تجاوزات أطاحت بھیبة الدولة
وسلطتھا.
في المسعى النیابي لتوسیع قاعدة العفو العام كرر نواب القول بأن مشروع القانون الذي تقدمت فیھ الحكومة خالف توجیھات جلالة الملك بھذا الخصوص. كانت ھذه محاولة مكشوفة لكسب التأیید بالاستناد المجزوء للتوجیھات الملكیة، فجلالتھ أكد أیضا وبشكل واضح وصریح على ”أھمیة أن یحافظ العفو العام على احترام سیادة القانون، بحیث لا یكون ھناك إضرار بالأمن الوطني والمجتمعي، وحقوق المواطنین“.
أین انتھى بنا احترام مبدأ سیادة القانون عندما نشمل بالعفو العام الاعتداءات على المصادر المائیة الشحیحة والكھرباء التي نئن تحت فاتورة دیونھا الثقیلة؟ وكیف نصادر حقوقا ضمنھا القانون لمواطنین وثقوا بالشیكات المحصنة بالقانون وتعاملوا بھا على ھذا الأساس؟
أولیس من حق المواطن الذي سدد ما علیھ من مخالفات سیر قبل الثاني عشر من الشھر الماضي أن یطالب باستردادھا أسوة بمواطنین خالفوا القانون ولم یلتزموا بالدفع وتتم مكافأتھم بالعفو؟
ما شھدناه من ضغوط غیر مسبوقة تكاتف فیھا النواب من مختلف التیارات والتوجھات لتوسیع قاعدة العفو، كان في حقیقتھ سباقا على حساب سیادة القانون لحساب اعتبارات اجتماعیة، بلغت حد شمول بعض قضایا المخدرات بالعفو العام.
والمؤسف فیما دار من نقاشات، أنھ وباستثناء ھیئة النزاھة ومكافحة الفساد لم تتصد مؤسسة رسمیة للضغوط بتوسیع العفو العام، فما سمعتھ من العضو المفوض بالھیئة أسامة المحیسن أثناء اجتماع اللجنة القانونیة بمجلس النواب، كان كلاما جریئا وشجاعا كبح جماح الرغبة بشمول المتورطین بقضایا الفساد بالعفو.
أركان السلطة التنفیذیة وقفوا صامتین أمام مزاد فتح على مصراعیھ اقترب بالعفو لأن یكون تبییضا فعلیا للسجون.
من المقرر أن یناقش السادة النواب مشروع القانون تحت القبة الیوم، ولیس لدینا شك بأن ھناك تیارا كاسحا یدفع بإقراره وربما إضافة المزید من الجرائم لقائمة المشمولین بالعفو. لكن لا نعلم بعد كیف سیتعامل مجلس الأعیان مع الصیغة النیابیة للتشریع. الوقت ضیق كما ھو معروف وعلى البرلمان أن ینتھي من إقرار القانون قبل نھایة الشھر، وعلیھ لا مجال لتعدیلات تعیده مرة ثانیة للنواب لندخل في سجال یحتاج لوقت أطول.
سیمضي العفو إذا وعلى مؤسسات الدولة أن تستعد للعودة إلى نقطة الصفر في تحدیھا لفرض سلطة القانون، فمن یصدق بعد الیوم أننا جادون في معاقبة المعتدین على مصادر المیاه حتى بعد تغلیظ العقوبات علیھم في القانون، وكیف لموظفي الكھرباء أن یقدموا على مخالفة السرقات التيُ تفاقمت في السنوات الأخیرة وستزداد مستقبلا أملا بعفو جدید یج ُّب ما قبلھ.
أما مبدأ سیادة القانون، فلا یسعنا في مثل ھذا الوقت إلا الترحم على روحھ الطاھرة.
الغد