عانى الأردن من العديد من أزمات اللاجئين منذ استقلاله في عام 1946، منها أزمة اللاجئين الفلسطينيين في عامي 1948 و1967، واللاجئين العراقيين في عامي 1991 و2003، وأخيرا أزمة اللاجئين السوريين في الأزمة السورية منذ عام 2011 والمستمرة للآن. وان جاز التعبير فقد يكون الأردن "أبا اللجوء" في العالم، فالأردن الذي لم ينضم لاتفاقية جنيف 1951 وبروتوكول 1967 الخاصين باللجوء، وايضا لم يكن يوماً يبحث عن دعاية من هذه الأوضاع الإنسانية بل كان صاحب "سياسة الباب المفتوح" للأشقاء دوماً، ولا يوجد أفضل من التشبيه الذي وضحه جلالة الملك عبدالله الثاني في خطابه أمام البرلمان الأوروبي في العام 2015 حين شبه أعباء اللجوء السوري إلى الأردن بقوله "هذا الواقع يماثل قيام فرنسا باستضافة كل سكان بلجيكا"، علما بأن هذه الاستضافة مستمرة منذ بداية الأزمة بالعام 2011.
اليوم، تتواتر الاحصائيات الرسمية حول عودة تصاعدية من اللاجئين السوريين الى بلدهم، حيث بدأت بعشرات ثم مئات وصولاً لألف عائد باليوم الواحد، ولكن الأرقام ما زالت خجولة في ظل عدم توفير المجتمع الدولي لمناطق آمنة ومراقبة دولياً وعدم وجود حل سياسي متفق عليه بين أطراف النزاع السوري، وبالتالي فلا يبدو أن حل أزمة اللجوء السوري للأردن ودول المنطقة قريب، لذا فإن الأردن سيتحمل أعباء اللجوء السوري لمزيد من الوقت، وتوضح "خطة الاستجابة الأردنية 2018-2020” أن الأردن تحمل تكاليف مباشرة تقارب 10.3 مليار دولار أمريكي منذ بداية الازمة بالعام 2011، بالمقابل تحمل المجتمع الدولي أقل من حصته العادلة فيشير التقرير أن مساهمة المجتمع الدولي للعام 2016 بلغت 1.65 مليار وللعام 2017 بلغت 1.72 مليار وتمثل 62% و65% على التوالي من المتطلبات التمويلية، أما للعام 2018 فالوضع أسوأ إذ يشير التحديث المالي لإجمالي المساهمات الدولية بأنها بلغت 999 مليون دولار وبنسبة 40.2% من إجمالي المتطلبات التمويلية، وبالتالي تحملت الدولة والشعب الأردني فشل المجتمع الدولي بتوفير هذه المتطلبات التمويلية، وهو أهم سبب في زيادة المديونية جنباً الى جنب مع الحالة الجيوسياسية بشكل عام، وهو ما وضحه جلالة الملك عبد الله الثاني في قمة القادة حول أزمة اللاجئين بالعام 2016 بقوله "حيث ننفق ما يعادل ربع الموازنة الوطنية الآن على الكلف ذات العلاقة باللاجئين" بالإضافة الى تجاوز الطاقة الاستيعابية للأردن فتضررت المجتمعات المضيفة والبنية التحتية وتراجعت الخدمات بشكل عام، وهو ما أفضى لوقف قبول المزيد من اللاجئين السوريين بالعام 2018. والمؤسف أن المجتمع الدولي سخي بدعم الحرب وهو ما أشار إليه تقرير أوكسفام للعام 2015 الذي انتقد بشدة دولاً دعمت الحرب بسوريا وبنفس الوقت هي لا تساهم بحصتها العادلة من أعباء اللجوء للدول المستضيفة.
ما يهمني هنا نقطتان يجب توضيحهما على المستوى المحلي والمستوى العربي، فعلى المستوى المحلي يجب على الحكومة أن تعد خطة ذات أبعاد تنموية لمواجهة آثار أزمة اللجوء من خلال اشراك أكبر للاجئين السوريين بخطط تنموية وتشغيلية (بالتعاون مع المجتمع الدولي) ذات مردود اقتصادي لزيادة الناتج المحلي الإجمالي ودفع النمو الاقتصادي، بالإضافة الى تأهيلهم وتمكينهم بمشاريع ومهن مدرة للدخل لمساعدتهم مستقبلا عند عودتهم لبلادهم، وأيضاً خطة لتحفيز المجتمع الدولي للمساهمة بحصته العادلة للوصول الى المتطلبات التمويلية، أما على المستوى العربي (وهي النقطة الأهم) وجوب وجود وثيقة عربية ملزمة لكافة الدول العربية لتقديم المساعدات للمجتمعات والدول المضيفة لمواجهة تأثير اللجوء وأعبائه (فما حك جلدك مثل ظفرك)، فالمنطقة العربية ملتهبة سياسياً واجتماعياً منذ بداية الربيع العربي ولا يعلم أحد متى تلد موجة لجوء جديدة وكما يقول المثل (درهم وقاية خير من قنطار علاج)، وهذا الاقتراح تدعمه العوامل المشتركة للدول العربية مثل الحدود واللغة والدين والأصول والتقاليد. وهذا يجعلهم أكثر قدرة على إنشاء وحدة للتعامل مع الأزمات التي ابتليت بها، ومع ذلك، لا يوجد اتفاق لمواجهة أزمة اللاجئين وأعبائها لتاريخه.