الشرفات يكتب: العفو العام .. وارتباك مفاهيم بناء الدولة!
د.طلال طلب الشرفات
20-01-2019 01:00 PM
قد لا يكون حديثي شعبوياً وأنا أعبِّرُ عن سُخطي على حالة الارتباك التي شهدها المسرح الوطني بخصوص مشروع قانون العفو العام، والتداعيات النيابية التي لم اقتنع بأي من مبرراتها، وهذا التهافت على توسيع المشمولين به لاعتبارات اجتماعية؛ بعيداً عن القراءة الواعية لمتطلبات المصلحة الوطنية العليا، وأخلاقيات بناء الدولة القائمة على الردع والإصلاح، وتطوير أساليب تحقيق هاتين الغايتين بإسلوب لا يصيب مفهوم سيادة القانون في مقتل، وذلك من قبل اللجان القانونية في مجلسي الوزراء، والنواب.
تملكني العجب وأنا أراقب اندفاع دولة الرئيس في تبني فكرة العفو العام، وهو المشهود له باحترام سيادة القانون، وحق المجتمع في العقاب بهدف الإصلاح، سيَّما وأن الحكومة فشلت في إقناع النخب الواعية بمبررات إصدار العفو، وأسبابه، ومراميه باستثناء إرضاء فعاليات برلمانية، وبطريقة لا أتفق معها البتة؛ لانها لا تعبر إلا عن مفهوم الصفقة السياسية التي لا تليق بآداب الرعاية الوطنية للتشريعات، والسياسات والقرارات.
لا أستطيع أن أفهم أو أتفهم بأن تصدر دولة ثلاثة قوانين للعفو العام في عقدين فقط، ولم تصل للمجتمع المرتبك أصلاً اي رسالة إيجابية حققها او قد يحققها العفو، وما الذي يمنع الجرم من ارتكاب جريمته اذا كان يعلم ان هناك عفو عام سيزيل الصفة الجرمية من اساسها كل سبع سنوات او اقل، وكنت أتمنى على وزير العدل، ورئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب، ورئيس ديوان التشريع أن يقدموا مبررات وطنية، ونماذج دولية مماثلة للعفو العام في أوضاع مشابهة، بعيداً عن الرضى الشعبي الذي يتلاشى بعد أيام من إصداره، ولكن واقع الحال يشي باستجابة غير مقبولة لضغوط نيابية لا يتسع المقام هنا لتقييمها.
القرار الوطني ما زال يطبخ على نوايا موجعة، والمسافة الوطنية بين الخاص، والعام ما زالت تتسع منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، والحرفة التشريعية تآكلت منذ مطلع العقد الحالي، وما نشهده من صراخ هنا أو هناك هو لمقتضيات إكمال الواقع المؤلم، والقادم المظلم، وما بين هذا وذاك مخاوف وطنية ليس حراك الرابع إحداها، فبعد تفاقم الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية؛ أضحت السياسات، والقرارات، والتشريعات غير الناضجة خطراً كبيراً على مقتضيات هيبة الدولة ، ومتطلبات سيادة القانون.
ليس هناك ربط سياسي، أو قانوني، أو تشريعي بين مشروع قانون العفو العام، والغارمات، وقروض الطلبة، وليس هناك أي دليل يؤكد أن العفو العام سيحقق مصلحة عليا للدولة وفقاً للمعايير الوطنية، ولستُ راضياً عن سلوك الحكومة في هذا الشأن، ولا أتفق مع اللجنة القانونية في مجلس النواب في رؤيتها للأسباب الموجبة، وكم كنت سأكون سعيداً لو أن الحكومة صدعت لمجلس النواب في قضايا وطنية أكثر إلحاحاً ونضجاً في تقدير المصلحة العامة التي يبدو أنها لم تعد تعني أحد....