النظام العربي الرسمي یعیش حالة إنكار لا مثیل لھا في التاریخ، ویبلغ فیھ الترف حد الدعوة لعقد قمة اقتصادیة، وكأن القمم السیاسیة الدوریة أنجزت مھماتھا وحققت غایاتھا، ونفذت قراراتھا.
تقضي الجامعة العربیة أشھرا وھي تعمل لضمان انعقاد القمة العربیة بنصاب معقول، ثم تفشل، فالغیابات ھي السمة الغالبة على قمم العرب. وفي السنوات العجاف الأخیرة لم تعد الجامعة قادرة على تسمیة ممثلین شرعیین لحفنة غیر قلیلة من الدول العربیة، ناھیك عن غیاب قسري لنصف القادة العرب تقریبا بسبب عجزھم الصحي.
تلتئم القمم العربیة بمن حضر، ویتولى فریق من الموظفین الخبراء إعداد بیانھا الختامي منسوخا عن قمم سابقة. یحضر من یستطیع من القادة والممثلین ویغادرون على عجل. جلسة علنیة مفتوحة بخطابات رنانة ومملة، تعجز، على جزالة لغتھا، عن حل مشكلة حدودیة بین بلدین عربیین، فكیف لھا أن تواجھ براكین السیاسة وزلازل الحروب التي ضربت دولا وأطاحت بأنظمة، وشردت ملایین العرب عن دیارھم.
جامعتنا العربیة مترفة حقا، فوسط حالة التفسخ والانحلال التي تعیشھا الدولة القطریة العربیة لا تجد مانعا من عقد قمة تنمویة، وحین توجھ الدعوات لا تجد من یلبیھا من الزعماء غیر صاحب الدعوة ورئیس الدولة المستضیفة.
المشكلة لیست في كون لبنان دولة بلا حكومة ولا في المخاوف الأمنیة التي تلازم بیروت منذ عقود، بل في الحالة العربیة التي بلغت حد الانھیار الذي لا تفید معھ الحلول التنمویة والاقتصادیة. التنمیة تشترط أولا حالة من التعافي السیاسي والأمني لتغدو ممكنة على المستویین الداخلي والعربي.
خمسة أقطار عربیة على الأقل تحتاج الیوم لمشاریع إعادة إعمار وقبل ذلك لمصالحات وطنیة كبرى كي تتمكن بعد ذلك من ولوج طریق التنمیة والرخاء الاقتصادي. وبضع دول بلا قادة أو حكومات موحدة فكیف تسري التنمیة في شرایین البلاد بغیاب الحكومات المركزیة والاستقرار الأمني؟ أما الدول المستقرة والغنیة فھي منقسمة على نفسھا وفي ما بینھا، وتعیش صراعات قاسیة وتدخلات أجنبیة لا تترك مجالا للتصالح والتضامن.
أي تنمیة اقتصادیة ودول المغرب العربي في صراع حدودي مدید وخلافات سیاسیة عاصفة، ومجلس التعاون الخلیجي على حافة الانھیار، وأقطار بلاد الشام تكافح لضمان أمن حدودھا لتبقى مفتوحة لبضع ساعات في الیوم.
التجارة المزدھرة الیوم بین دول العرب في المشرق والغرب ھي تجارة المخدرات والسلاح المھرب وتجارة البشر التي یسیطر تجارھا على أھم النقاط الحدودیة برا وبحرا في لیبیا وسواھا من الدول.
یصبح الكلام مشروعا عن تنمیة عربیة مشتركة وسوق اقتصادي عربي مفتوح، عندما تتمكن أقطارنا من تجاوز ویلاتھا الداخلیة وأزماتھا الإنسانیة المستفحلة، وذلك لن یتحقق قبل أن تنھض الدولة الوطنیة من جدید، ویتشكل نظام عربي رسمي جدید یقوم على ترابط المصالح والمنافع، وتقوده حكومات تؤمن بقدرات شعوبھا.
وحتى ذلك الحین فلیس على الجامعة العربیة عتب، فلماذا تحرج نفسھا وتحرج لبنان بقمة اقتصادیة فارطة، لا معنى لھا سوى انكشافنا المھین أمام العالم.
الغد