1989 يُعد العام الأكثر توحداً في الأردن حول المطلب الديمقراطي، في النصف الثاني من القرن العشرين، لم يقل أحدٌ آنذاك بمصطلح الإرادة السياسية، سواء للإصلاح أو التطوير التربوي أو تحسن قراءة نشرة الطقس او تمكين المرأة، حينذاك واعني نيسان 1989 قامت هبة شعبية، التقطها المثقفون وحولوها لمطالب سياسية عنوانها الديمقراطية، واستجاب لها الحكم وبدأت حياة جديدة، فانجزت حكومة الشريف زيد مهمتها بانتخابات خالية من الشوائب فاندفعت طبقة سياسية للواجهة.
كانت الحكومة الثالثة (1989-1991) لمضر بدران المولود في جرش 1934 تمنحه صفة مُشكل الحكومة الديمقراطية الثانية بعد حكومة سلميان النابلسي التي رحلت مبكراً، فالرجل ذو الصفة الأمنية أبدع في فهم المطبخ السياسي وفي اختيار وزرائه وفي المواقف السياسية الحازمة تجاه فريقه، وفي الرد على مجلس النواب بخطاب الثقة لحكومته والذي استغرق آخر ايام العام 1989 وأوائل العام 1990.
لم يسمح بدران للقيل والقال في فريقه، ونصب محمد سعيد النابلسي على إدارة المال، وكان النابلسي اشترط صلاحيات مطلقة في البنك المركزي فاوقف القروض التي كانت تؤخذ بكفالة الملك، ولم يسمح لاحد بتجاوز التفويض الذي منحه اياه الراحل الحسين كشرط لقبوله بمهمة الإصلاح الاقتصادي وجرى ذلك في بيت المرحوم الامير الشريف زيد بن شاكر في نهار جمعة وبعد الصلاة، واستمر النابلسي بمهمته مع بدران وبعده.
اختار بدران توجيه ضربة لفريق الورزاء لعدم تخطيهم له، فمنع تغيبهم عن مجلس الوزراء تحت أي ظرف إلا بموافقته المسبقة، وتبع ذلك تخفيض رواتب الوزراء بنسبة كبيرة. وذات جلسة لمجلس الوزراء وجد أن نسبة كبيرة من فريقه متغيبون لحضور فعاليات فكان رده حاسماً، ومدروساً، فكل الملفات كانت بين يديه، وآنذاك كانت البلاد في أسوأ ظروفها المالية وبدأت حرب الخليج الثانية تلقي بظلالها أيضاً، وخسر بدران رهانه على العراق، لكنه لم يخسر نفسه.
بدران لم يكن مرناً، أو يدعي أنه ديمقراطي، بل هو ابن الجهاز العميق وابن النظرة المحافظة بضرورة الابقاء على واجبات الدولة تجاه مواطنيها، وهو القابل باشراك النواب في حكومته، لكنه غير المتنازل عن صلاحياته ودوره كوزير دفاع أو رئيس حكومة.
للحق اليوم فإن مجتمع 1989 ليس هو الراهن، هناك تضخم هائل تضاعف حجم السكان والمقميين ثلاثة اضعاف. وهناك نخب ماتت ونخب جديدة لها فكرها وقضاياها، وهناك تحول في سلطة الجهمور، لكن الثابت اليوم أننا نشهد بعضا من الساسة أقل حكمة وجرأة في الحفاظ على صلاحياتهم.
حكومات بدران عرفت بأنها حكومات الانجازات الكبرى الصوامع والطرق والمصانع، وترأس الرجل ثلاث لجان تأسيسية لجامعات مهمة اليوم هي اليرموك والتكنولوجيا والهاشمية.
الدستور