الزواحف تلتهم مصداقية الحكومة
فهد الخيطان
19-01-2019 01:45 AM
لم يجد الأردنيون ما يخفف عليهم أجواء “الحشرة” والبرد القارس، سوى التندر بالتعليقات الساخرة على قائمة الحكومة للسلع “الأساسية” التي تم شمولها بقرار تخفيض ضريبة المبيعات.
زواحف وسلاحف وثعابين وحيوانات من فصائل متعددة وأرانب برية ومواد حامضية وقاعدية كانت من بين السلع المعفاة والتي استوقفت مواطنين ودفعتهم للتساؤل عما إذا كانت هذه المواد هي بالفعل أساسية في حياتهم. أما أكثر البنود غموضا في القائمة فهي ما تكرر في أكثر من موقع بكلمة مبهمة هي “غيرها”!
أعلنت الحكومة في وقت مبكر عن نيتها تخفيض ضريبة المبيعات بشكل متدرج في سياق تصور أشمل لمراجعة العبء الضريبي على المواطنين، خاصة ضريبة المبيعات التي أنهكت الفئات الشعبية. وجاء تعديل قانون ضريبة الدخل في إطار عملية المراجعة هذه بهدف تحقيق التوازن في العبء الضريبي وفق قاعدة عنوانها الأساس رفع ضريبة الدخل على أصحاب الدخول العالية بالتزامن مع تخفيض ضريبة المبيعات لتخفيف العبء على الطبقات الفقيرة والوسطى.
القائمة الأخيرة التي أعلنتها الحكومة تحتوي بالفعل على سلع أساسية بالنسبة للمستهلكين والعائلات كمعلبات الفول والحمص والمرتديلا بأنواعها وبعض انواع الخضار والمعكرونة والأسماك المعلبة. لكن الحكومة أجهضت قائمتها بحد سيفها كما يقال عندما أضافت للقائمة ولاعتبارات التعرفة الجمركية على حد تبريرها سلعا غريبة عجيبة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالسلع الغذائية أو عادات المستهلكين الأردنيين.
هنا مكمن الخطأ، فعندما تترك العمل يدار من قبل موظفين دون تدقيق من السياسيين في الحكومة، تصبح الأفعال والنوايا الحسنة ضحية الجهل وقلة النباهة السياسية.
هل خضعت القائمة للتدقيق من قبل مجلس الوزراء قبل إقرارها؟ أشك في ذلك. هل اقترح أحدهم استثناء خفض عدد السلع المشمولة، واقتصارها على الأساسيات الواردة في القائمة عوضا عن تضخيمها بإضافة الزواحف والسلاحف وأوكسيدات النبتانيوم وحامض الفوسفوريك؟!
كان يمكن الاكتفاء بقائمة من عشرين أو ثلاثين سلعة يعرفها ويستهلكها المواطن الأردني دون حاجة لهذه الفذلكة. وسيكون وقعها على المواطنين طيبا ومقدرا.
يعلم الجميع أنه ولغايات جمركية يتم تصنيف آلاف المواد والسلع المستوردة التي تدخل في صناعات عديدة أو يتم استهلاكها مباشرة. لكن عندما تخاطب الرأي العام وتقدم على اتخاذ قراراتها من شأنها التأثير في حياتهم يتعين على المسؤولين اشتقاق طرق تواصل قابلة للفهم وترجمة القرارات بأسلوب مغاير لمحاضر الاجتماعات ونصوص القوانين الجامدة.
اللغة المفهومة للمواطن هي أن تقول له وبوضوح أن علبة الفول التي اشتراها بالأمس بدينار على سبيل المثال انخفضت اليوم إلى تسعين قرشا، تماما مثلما تعلن الحكومة تسعيرة المحروقات الشهرية.
قائمة الحكومة بعد تنقيحها من الزواحف والسلاحف والثعابين، كان يمكن ترجمتها على هذا النحو، ومقاربة لغة نشر القرارات في الجريدة الرسمية على هذا النحو، بدلا من اللغة الخشبية الجامدة التي تصاغ فيها القرارات. ومن بعد يمكن إصدار بيان توضيحي للرأي العام يتضمن تطبيقات القرار بالتجربة الحية في الأسواق.
لكن ماكينة البيروقراطية للحكومات تستمر على نفس المنوال ولا تترك فرصة لتجويد الأداء أو تطوير محتوى السياسات، فتنتهي جهود أشهر طويلة من الحديث عن مراجعة العبء الضريبي إلى مجرد مادة للسخرية التي تفاقم بدورها أزمة الثقة.
الغد