رداً على كل التخرصات وضيقي الأفق جاءت التصويت لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح رئاسة فلسطين لمجموعة 77 وهم دول عدم الانحياز والفقيرة الذين يتطلعون لأن يكونوا صوتاً متضامناً مع بعضهم البعض في القضايا المشتركة التي تواجههم في نطاق الأممية الدولية التي تجمعهم في إطار الأمم المتحدة.
التصويت لفلسطين لم يكن فقط بسبب قدرتها على الجمع والإدارة والقاسم المشترك معها، كشعب لا يزال يرزح نصفه أكثر من ستة ملايين تحت ضغط الاحتلال وعنصريته وفاشيته، والنصف الآخر أكثر من ستة ملايين من المشردين اللاجئين في مخيمات البؤس والشقاء والتوزع الجغرافي يتطلعون للعودة إلى بلدهم والمدن والقرى التي طردوا منها إلى اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وبيسان وصفد وبئر السبع، واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها، أي إلى وطنهم الذي لا وطن لهم سواه.
اختيار فلسطين لرئاسة المجموعة والتصويت المتتالي المتتابع الذي تحظى به فلسطين : الفكرة والمشروع والوطن والشعب والمؤسسة، تم بشكل واضح يوم 29/11/2012، حينما تم قبول فلسطين دولة مراقب لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمرة الثانية رداً على اعتراف الرئيس الأميركي ترامب يوم 6/12/2017، بالقدس عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، فجاء التصويت الأممي ضد الموقف الأميركي يوم 23/12/2017، بمئة وثمانية وعشرين صوتاً ضد 9 دول فقط حظيت بهم الولايات المتحدة الأميركية، أي أن فلسطين هزمت واشنطن بعظمتها ونفوذها، مما يدلل أن الحق والأخلاق والعدل هزموا القوة، وخطيئة الولايات المتحدة انحيازها غير العادل وغير الموفق مع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وظهر ذلك جلياً حين جرى التصويت على قرار الأمم المتحدة 2334 بشأن الاستيطان يوم 23/12/2016، حيث جاء التصويت الأممي أيضاً رداً مباشراً ومعاكساً للإدارة الأميركية وفريقها المتصهين، ولحليفها المستعمر الإسرائيلي.
حصيلة ذلك ما يجب فهمه وتداركه من قبل قادة حماس بتورطهم ضيق الأفق حينما أرسلوا ما يُشير إلى عدم أهلية الرئيس الفلسطيني لتمثيل الشعب الفلسطيني، وهو غباء يُشير إلى عاملين : أولهما أن حركة حماس تعود إلى أصلها الإخواني الذين لم يعترفوا بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني وهُزم هذا الخيار واندحر، وثانيهما أنها مازالت تحمل بذور ولادتها كبديل عن منظمة التحرير، فاستغلت الانقسام والخلافات لتلجأ إلى الأمم المتحدة التي رفضت استقبال أي رسالة مرسلة لها تمس بمكانة وشرعية الرئيس المنتخب، ولم يفهموا جهد السفير الفلسطيني رياض منصور ومعهم العرب والمسلمون والمسيحيون وأصدقاء الشعب الفلسطيني الذين أحبطوا المشروع الأميركي يوم 27/12/2018 لإدانة حركة حماس والجهاد واعتبارهما فصائل إرهابية، لم يفهموا أن خلافاتهم السياسية وحالة الانقسام لم تسمح للرئيس الفلسطيني وإدارته وسفيره أن يُمرر قرار إدانة حماس وإخراجها بقرار من الأمم المتحدة عن عنوان النضال كفصيل سياسي فلسطيني أصيل، لم يفهموا موقف الرئيس ولم يرتقوا إلى مستوى وعيه وفهمه كرئيس للشعب الفلسطيني، مما أوقع الخلاف معه، ولكنه يبقى رئيساً شرعياً، كما هو المجلس التشريعي إلى أن تحين الانتخابات الرئاسية والتشريعية للسلطة الفلسطينية على أرض فلسطين وليس خارجها.