أما قبل، فتحية لسعادة الأستاذ باسم سكجها المبدع الذي احترم طروحاته وتحية لروح والده المرحوم إبراهيم سكجها أحد أعمدة الصحافة الأردنية المشهودين، وقد كنت اداوم على قراءة صحيفته الشعب الغراء الرائعة....
وأما بعد،
فردا على ما كتب الاستاذ باسم بعنوان (بدون مع حفظ الالقاب )، فلا أجد أي حرج او مبالغة أو تفخيم، في ان يسبق بعض الألقاب المتعارف عليها اسم المخاطب مثل: جلالة الملك ودولة رئيس الوزراء ومعالي الوزير وسماحة الشيخ او فضيلة القاضي وسعادة العين او النائب وعطوفة المحافظ، وهي تقتصر على ثلة من المسؤولين، على ان لا تزيد عن هذه الألقاب المحصورة بهؤلاء، والتي أصبحت تلازمهم، على ان لا تزيد او يزاد عليها أي عبارات او مسميات أخرى يراد بها التفخيم والتعظيم والتمييز او التعالي ،فقد أصبحت هذه الألقاب تدرج بعفوية وبشكل روتيني كنوع من ادب التخاطب وكياسة المتحدث وليس تعظيم المخاطب وكلنا يعلم ذلك ويمارسه بعفوية وتلقائية.
فقد يجد أحدنا حرجا ان يخاطب دولة رئيس الوزراء فيقول يا عمر الرزاز، كما خاطبه (ليث شبيلات) عندما تطرف ليث فأسدى له النصح على الملأ فجرَحه وعراه بحجة النصح متنافخا شرفا بذلك.
كأنما ليث أبوه او استاذه او أبو الحكماء... وكل هؤلاء لا يجنحون الى التأنيب بصورة النصح الفاضح الذي مارسه ليث شبيلات مع دولة الرئيس بالرسالة المشهورة بخلوها من الكياسة وأدب الخطاب والتراسل...
ولست مع المذيع الذي استضاف دولة رئيس الوزراء على احدى الشاشات الأردنية وابتدأ حديثه مع حفظ الألقاب وبدأ يخاطب رئيس الوزراء المتواضع أصلا والمؤدب (الرزاز) بطريقة تخلو من الكياسة وادب الحوار والتخاطب، مالا يصنعه أحد المراهقين مع رفيق صباه على احدى جنبات الطريق وهم يتناولان البوشار والبيبسي.
لقد كتب رسولنا الكريم والمعلم الأول والهادي الأمين سيدنا محمد عليه السلام، رسائل لملوك ورؤساء دول وملوك كانوا على زمنه، فكان عليه السلام ينزل الملوك والامراء منازلهم فكان يقول:
من محمد عبد الله ورسوله الى المقوقس عظيم القبط والى كسرى عظيم الفرس وهرقل عظيم الروم وشهدت جميع الرسائل النبوية إلى الملوك والأمراء أسماء مناصبهم وألقابهم ونحن نتأسى ونقتدي برسولنا الكريم.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحترم شيوخ العشائر وسادات القوم فكان يقول: (مَنْ سيد بني فلان؟) ويسأل الصحابة بذلك، فيقولون فلان.
وقد سئل الرسول عليه السلام من خيار الناس؟ فقال ما رواه عنه أبو هريرة: قِيلَ: " يا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ قَالَ: أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ. قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونَنِي؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا ".
وفي قصة سعد بن معاذ لما جاء للحكم في بني قريظة قال للصحابة: (قوموا إلى سيدكم)، وقال في الحسن بن علي بن ابنته: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ) فحقق الله ما قال، وأصلح به بين أهل الشام والعراق، فهذا كله يدل على جواز إطلاق اللقب على العالم والرئيس والملك والمسؤول، وعليه أيضا، صلى الله عليه وسلم، فنقول سيدنا محمد لأنه سيد ولد آدم.
مع تقديري لسعادة الكاتب المميز الأستاذ باسم سكجها، أنا لست مع التجرد من الكياسة وادب التخاطب الذي علمنا إياه ديننا الإسلامي وموروثنا العريق، وإنزال الناس منازلها، وان كلمة معالي، او فضيلة، او سعادة، لا تصنع الطبقية والفوقية، انما يصنعها سوء التدبير الاقتصادي وإدارة الحكومات وزيادة الضرائب وفساد الطبقات المتنفذة وعدم نشر العدالة والمساواة وتوزيع المنافع على الجميع. وتبقى هذه وجهات نظر نحترمها.