بعد أن هدّني الجوع وشعرتُ أن معدتي بدأت «تستغيث» ، لم أجد سوى «مطعم هاشم» في وسط البلد ملاذا لعذابات بطني الفارغة.
قبلها ، كنت قد « تسنكحتُ» لمدة ساعتين متأملا الناس في منطقة « سقف السيل». كان ثمة ركام من الاحذية والملابس الشتوية « البالة « تباع ضمن «تنزيلات» او «سيل». تخيلوا «سيل» في «سقف السيل». ربما ظن اصحابها ان الشتاء قد ولّى ، ولهذا ارادوا التخلص منها فعرضوها للبيع بسعر زهيد.
كما لمحتُ شابا وقد استلقى على قفاه في حديقة مجاورة لمبنى امانة عمان ، واطلق اغنية من «موبايله» واغمض عينيه امام المارة.
ميزة « السنكحة « في وسط البلد انك في كل مرة ترى وجوها واشياء لم ترها من قبل ، رغم انني من ارباب السوابق في « السنكحة « بقاع المدينة.
وصلت «مطعم هاشم» منهكا كما أسلفت. كان هناك «اجانب» من السياح يلتهمون الفول والحمص والفلافل والبصل بنهم شديد. بينما كان اذناي تلتقطان شرح الدليل السياحي عن المكان «الشعبي» الذي يطلقون عليه «ماكدونالدز الفقراء».
جلست حول طاولة مستطيلة وجاء العامل ـ المصري ومسح الطاولة وأمطرني بعبارات الترحيب قبل ان يجلب لي الفول والحمص والبطاطا المقلية وكاسة شاي من الحجم العائلي.
غمّست لقيمات ، وفجأة وجدتُ من يشاركني المائدة (شباب وفتيات اجانب) ومعهم دليلهم الذي استأذن وجلس بجانبي.
كانوا ينظرون في كل الاتجاهات. وتحاول عيونهم معرفة المكتوب على الجدران من مقالات وتحقيقات صحفية تتناول اهمية وتاريخ المطعم الذي انشىء عام 1956
وخلال لحظات اصبح بيني وبينهم (عيش وفول وبصل) أيضا.
ظل « الدليل» يرطن بالانجليزية معهم وانا التهم الطعام مثل بعير لم يأكل منذ عام.
تأخرت «كاسة الشاي» ، فاعتذر العامل المصري بادب ، واراد «مجاملتي» او «مصالحتي». فأخذ «صحن الحمص» وزاد عليه كمية قليلة وقال «وأدي تصليحة كمان».
شعرت انني «سوف انفجر» لكثرة ما اكلت.
سخونة وجهي انتقلت الى رأسي. قلت في نفسي: معقول ، الفول عمل فيّ كل هذا.
توقفت عن الطعام ، وشربت رشفتين من «كاسة الشاي». قال احد الشباب الاجانب بعد ان لاحظ العرق يتصبب فوق رقبتي (ار يو اوكي)؟ قلت: اعتقد ذلك. شكرا.
هل كان الجوع ، أم زحمة المكان ، ام التهامي الطعام بطريقة «غير انسانية»؟ قمت ادفع «الحساب» وتمنيت لشركائي في المائدة نهارا سعيدا ، ورسمت ابتستامة (بلهاء) وسرتُ اردد: مين كان يصدق ان «العولمة» تصل الى «الفول والفلافل».. مين؟.
الدستور