جمعية حماية المناسف وجمعية حماية المستهلك
المحامي محمد الصبيحي
05-08-2009 12:23 AM
استفزني البيان الصادر عن جمعية حماية المستهلك يوم الثلاثاء الماضي وتدعو فيه الجمعية المواطنين (الى مقاطعة شراء اللحوم الحمراء البلدية والمستوردة لفترات كافية تجبر المحتكر وتردعه عن الاستمرار في انتهاك حقوقهم وحرمانهم من إشباع حاجاتهم الأساسية)، وبالطبع لم تجرؤ الجمعية أن تخبرنا من هو (المحتكر) أسمه وعنوانه وعلامته التجارية.
فكرت فعليا في مقاطعة اللحوم الحمراء ولكني لم أستطع الصمود أمام ثلاث دعوات غداء كبرى بمناسبات زفاف، حيث يندلق اللبن على أكوام اللحم والارز شهيا فيذهب ربعه الى بطون المدعوين وثلاثة أرباعه الى حاوية النفايات وقطط الحارة.
كنت أمام خيار صعب بين معدتي وبين واجب الاستجابة لبيان جمعية حماية المستهلك، فاستشرت بعض الاصدقاء المدعوين محاولا إقناعهم بالمقاطعة فاكتشفت أنهم جميعا لم يسمعوا ببيان الجمعية، وأنهم يفضلون المقاطعة ان لزم الامر بعد انتهاء موسم الاعراس الصيفي.
يبدو أن مستوردي اللحوم اختاروا الوقت المناسب لرفع السعر!! وهو موسم الاعراس وعودة المغتربين حيث يتضاعف الطلب على اللحوم البلدية فيرتفع سعرها وبالتبعية يرفع تجار المستورد أسعار لحومهم - أقصد لحوم الخراف والعجول - ولا يجد الناس مناصا من الاذعان بعد أن وزعت بطاقات العرس وفرك المدعوون أيديهم فرحا بانتظار اليوم الموعود.
أغلب ظني أن تجار اللحوم الكبار كادوا ينقلبون على ظهورهم من الضحك عندما سمعوا دعوة الجمعية للمقاطعة، وربما قال أحدهم في وصف الجمعية المثل الشعبي (على بال مين يللي بترقص بالعتمة)، في حين نظر أمثالي من أنصاف العقلانيين الى الجمعية ورئيسها وهو يجمع رجال الصحافة و(يفقع) بيان المقاطعة نظرة أشفاق من فقاعة الصابون التي أطلقها في هواء صيفي جاف، وتمنيت لو كان لدي من الامكانات والوقت لمراقبة بيوت أعضاء أدارة الجمعية فيما اذا طبخت زوجاتهم لحما بعد دعوة المقاطعة أم التزموا جميعا بالمقاطعة؟؟ نظرة الاشفاق التي أشرت اليها ليست حسدا ولا شماتة بالجمعية وانما لأن الجمعية تستجدي الجمهور المقاطعة وهي تعلم علم اليقين أن أحدا لن يستمع اليها، والسبب أنها جمعية بيروقراطية وليست جمعية شعبية،، جمعية تغلق بابها عن حشد الاعضاء في صفوفها حتى لا تثمر الديمقراطية قيادات جديدة تتداول الادارة.
ان المعروف في كل العالم أن جمعيات حماية المستهلك جمعيات شعبية تضم آلاف الناشطين والناشطات من ربات البيوت صاحبات القرار في المطبخ، وتتمتع بدعم شعبي واسع تستطيع من خلاله التأثير على القرار الاقتصادي وعلى سعر السلعة، ولكن دعونا نسأل جمعيتنا كم ربة بيت عضو في الجمعية؟؟ كم عدد أعضاء الجمعية؟؟ لماذا لا تنشط الجمعية لإقناع الفعاليات الاعلامية والشعبية للانضمام الى عضويتها؟؟.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فان أكبر خطأ ترتكبه إدارة الجمعية أن تدعو الى مقاطعة سلعة ما وهي تدرك أنها جمعية غير شعبية وأن الناس لن تسمع ولن تستجيب، فهنا تفقد الجمعية مصداقيتها وتأتي على ما بقي من مكانتها في المجتمع، وكان من الحكمة ألا تحمل حجرا أكبر من طاقتها، ومن السياسة الا تطلق وعودا أو شعارات أو دعوات لا تستطيع تحقيقها.
ولكن يبدو أن سياسة (نحن هنا) وسياسة (رفع العتب) هي الوسيلة الوحيدة المتبعة في هذه الجمعية، التي دأبت على امساك العصا من الوسط والحيرة بين أرضاء الحكومة وبين الطموحات الشخصية وبين حماية المستهلكين حماية حقيقية فاعلة، فكانت النتيجة أن فقدت الجمعية تأثيرها ودورها ومبرر وجودها.
وأخير اذا كانت الجمعية تدعو الى مقاطعة اللحوم فانها بسياساتها وأداراتها وعضوياتها المغلقة تكون قد دعت الى مقاطعة نفسها أبتداء فأنى للناس أن تستجيب لمن لا يمتلك الجماهيرية ولم يحز ثقة الناس؟.
خطرت لي فكرة تأسيس جمعية حماية المناسف الوطنية لمواجهة جمعية حماية المستهلك التي تريد تدمير التراث بدعوتها الى مقاطعة اللحوم، فكم تتوقعون عدد الاعضاء الذين سينضمون الى جمعية حماية المناسف؟؟؟.
نقلا عن الراي.