مشروع الضريبة .. ما أن أصبح بين يدي النواب حتى تشظى ليفرغ من آخر غاياته وهي حفز الاستثمار
04-08-2009 05:44 PM
عصام قضماني - خرج مشروع قانون ضريبة الدخل ، عن هدفه ، بمجرد تفتيته ، بعدما كان موحدا ليصبح متفرقا ، وكانت هذه الخطوة التي آل اليها القانون تحت ضغوط النقد أول انكسار له على صخرة المعارضة التي واجهها ، فما أن أصبح بين يدي مجلس النواب الكريم ، حتى تشظى ، ليفرغ من آخر غاياته وهي حفز الاستثمار ، فذهب أكثر من اللازم الى حصن الايرادات بمعنى الجباية وقد غادر قلعة الاستثمار إلى غير رجعة . بادىء ذي بدء ، أثار مشروع قانون الضريبة أول الأمر عاصفة من الانتقادات ، بينما غيبت ايجابياته وتركز النقد على التنزيلات التي تضمنها المشروع للبنوك بدعوى أنها رابحة ، وأن أرباحها تذهب الى نصف مالكيها وهم من غير الأردنيين بمعنى أنها تذهب الى خارج البلاد ، وهناك من لاحظ أن المشروع جاء مخالفا لشرط الضريبة التصاعدية كما نص على ذلك الدستور باعتبار أن القانون الحالي قد لبى مثل هذا الشرط ، وفي مسألة البنوك ففي النقد وجهة نظر ، فيها نصف الحقيقة بينما النصف الثاني الذي أسقط هو أن معادلة التخفيض كانت تستلزم فتح السوق أمام الأردنيين لتأسيس بنوك استثمارية حقيقية ، مع أن مثل هذا النوع من الصناعة المالية لا تحقق للاقتصاد قيمة يطلبها ، لكن لا بأس من وجود بنوك تحفز السوق وتهيىء له بيئات انطلاق الاستثمار الحقيقي المشغل للأيدي العاملة والداعم للتنمية . تجاوز المتحاورون معضلة البنوك ، فكانت نقطة التفاهم هي تخفيض النسبة بين البينين ، فجرى الاتفاق على 30% بدلا من 25% ، لكن فيما يبدو أن مثل هذه المعضلة لم تكن العثرة ، فبين ثنايا القانون المزيد وفي اضافات السادة النواب ما يزيد وأكثر . صحيح أن المشروع أخذ وقته من النقاش في منابر مؤسسات المجتمع المدني وفي أوساط التجار والصناعيين ، لكن النقاش الحقيقي بشأنه هو ذلك الذي يجري الآن تحت القبة وقد انتقلت الملاحظات التي واجهها الى النواب ، فالنواب الذين تابعوا وراقبوا النقاش الذي دار سيكون لهم رأي وهم لا شك تأثروا بما جرى والنتيجة ، تعديلات أنصفت الشركات كما في حالة الاسكان ، بينما ضغطت على الأفراد كما في حالة مكافآت نهاية الخدمة ، وحول الأسهم ومأسسة الاستثمار في الأدوات المالية حديث آخر .
في البدء لا خلاف على أن اصلاح النظام الضريبي عملية مهمة لمعالجة اختلالات كثيرة أولها التعدد والتشابك سواء بالنسب أو بالاعفاءات ، وهو ما أتاح مساحة واسعة ليس للتهرب فحسب بل في استخدام الاعفاءات لتقليص الضريبة المدفوعة وتحويلها إلى أرباح ، كما في حالة البنوك .
قبل التفتيت جاء قانون الضريبة المقترح مرتكزا الى مبادىء الاجندة الوطنية ، فهو لم يأت ماليا صرفا بمعنى زيادة الحصيلة الضريبية بالنظر إلى توسيع اعفاءات الأفراد وإلغاء اعفاءات كثيرة اتسمت بالازدواجية والتشتت ، بل سعى الى ايجاد اطار قانوني موحد وشفاف وشامل لكافة أنواع الضرائب بما يساعد على ازالة التعقيدات في القوانين الحالية وتبسيطها سواء على دافعي الضريبة أو على العاملين في المجال الضريبي. بعد التفتيت ذهبت ما ارتكز اليها القانون بعيدا ، وعاد الى مربعه الأول ، عين مفتوحة على الايرادات وأخرى أغمضت على الاستثمار الذي كان غايته . وقبل تفصيل ما سبق ، اعتبرت بعض الأراء تعظيم القانون لمزايا الطبقة الوسطى ، والاعتناء بها سخاء حكوميا لا لزوم له ، مع أن تحريك وتنشيط الطبقة الوسطى بازالة الأعباء الضريبية عن كاهلها هو مصلحة اقتصادية ، وقد أصبح نهجا سائدا في العالم الذي بات يعترف بدور هذه الطبقة التي واجهت تهميشا بينما كان اقتصاد السوق يبالغ في تسمين الشرائح العليا .
وعندما يبالغ القانون بتعديلاته النيابية الأخيرة في اعفاء شركات بناء المساكن فان السؤال المطروح هو .. هل كان في الذهن ، انقاذ سوق العقار والاسكان من الركود ؟ أم تخفيض أسعار البيع للمستهلك ؟ في كلتا الحالتين ، تغيب عن البال معادلة العرض والطلب ، كما أن منح اعفاءات أبدية لقطاع البناء على واقع مؤقت توجه يخالف كل النظريات الاقتصادية ، لكنه في المآل يصب في نهاية المطاف في خانة الشركات لو لم يتم التراجع عنه .
ثمة مواد قد تثير للوهلة الأولى جدلا واسعا وهي تلك المتعلقة بالبنوك يفترض بالقانون أن يكون مصلحيا للفرد ورأس المال معا ، فمنافع توسيع اعفاءات الأفراد ، بلا شك تسجل لمصلحة دعم وتعزيز الطبقة الوسطى ، باستبعاد تشعبات غير لازمة ، كانت مطلوبة من الأفراد لقاء اثبات الدخل ، واستبدلها بزيادة مبالغ الدخل المعفاة لتصل الى 24 ألف دينار سنويا أي بمعدل ألفي دينار شهريا ، لتشمل أكثر من 90% من المواطنين محسوبة على أساس متوسط الدخل في المملكة . أما بالنسبة للمكلفين من قطاع الأعمال، فأول ما يتبادر الى الذهن هو ازالة التشوهات الموجودة في القانون الحالي، من خلال المساواة في معدلات الضريبة وإلغاء الإعفاءات، وتوحيد وتبسيط التعليمات الضريبية الخاصة بالاهتلاك. وتعزيز تحسين أدوات تحديد الدخل والتكاليف التشغيلية الحقيقية والتخفيف من أعباء الضريبة والامتثال عن طريق إلغاء ضرائب إضافية معينة تفرض وفقا للنظام الحالي. كما أن فرض نسبة ضريبة دخل واحدة على الشركات بغض النظر عن نوع القطاع، سيساهم في حشد وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والخارجية، كما سيعمل على إزالة التشوهات الضريبية بما في ذلك الحوافز المتمثلة في الإعفاءات ويعزز النمو في قطاع الصناعات المتوسطة والصغيرة. وفي موضوع الايرادات ، ثمة مشكلة ، لكن المبالغة في علاجها عبر قانون الضريبة مسألة فيها وجهة نظر ، . في الجانب المنصف للمشكلة المالية ، دلت نتائج أولية لأداء الموازنة العامة عن النصف الأول للعام الحالي على صدق التوقعات في مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية ، التي ثبت تعمقها كما ظهر في نتائج النصف الأول ، بينما تدل المؤشرات على تراجع أداء الشركات عموما ، ما ينبىء ، بامتداد الأثر للعام المقبل . وان كانت خطة التحفيز التي تتضمن قوانين مهمة منها ضريبة الدخل تهدف في روحها الى حفز الاستثمار للتخفيف ما أمكن من الأثر السلبي ، تنطوي في ذات الوقت على تراجع في حصيلة الايرادات ، الا أن دوران عجلة الاقتصاد وبالتالي استئناف النشاط ، والقدرة على استقطاب استثمارات ، ستمتص أثار التراجع وصولا الى نقطة توازن ، يعقبها تحسن تدريجي ، في الايرادات اعتمادا على تدفقات استثمارية تحت اغراء الحوافز الضريبية فهل سيبقي القانون على هذه الأهداف ؟ .
مثل هذه التقديرات من وجهة نظر البعض تنطوي على مجازفة ، لكن باليد الأخرى فان الخيارات تبدو محدودة جدا ، فكما يبدو أن الاعتماد المستمر على المساعدات والمنح ان كان لتمويل عجز الموازنة أو تمويل المشاريع لن يصمد طويلا أمام اتجاهات تراجع مخصصات الدول المانحة التي بدأت تشد الحزام من جانبها ، ومن جهة أخرى فان الاستدانة ، تعني بالضرورة زيادة الضغوط على الخزينة ، وبالتالي تنامي العجز بأكثر من المحتمل ، والنتيجة أن ثمة حاجة أكثر من ملحة ، للبدء فورا بتنفيذ خطة التحفيز والتي هي اليوم بين يدي مجلس النواب ، كورقة لا يبدو أن لها بديلا عمليا على الطاولة .
تأثرنا بالازمة المالية العالمية ارتبط بحجم التعامل الاقتصادي والتجاري مع دول الاقليم ودول العالم وهو تعامل قوي، ما جعل التأثير سلبيا وفي المشهد اقتصاد عالمي يشهد تراجعا واضحا وفي الجوار دول الخليج التي أثقلت اقتصادياتها الأزمة ، وبالرغم من عودة صعود أسعار النفط الا أن المعاناة فيما تبدو أشد تأثيرا بدليل أن الأسواق في تلك الدول تعاني نزيفا مستمرا .
في مواجهة الحلول .. توقف المشهد أمام مسارين ، الأول ايرادات الخزينة ، في مواجهة عجز متفاقم لتناقص الايرادات ، أما الثاني ، تحفيز الاقتصاد بحوافز ضريبية وإن كانت في أول الأمر على حساب الايرادات .
الموقف كما يبدو آخذ اتجاها متصاعدا لمصلحة الايرادات ، وشواهد ذلك التمسك بفرض ضرائب على مكافآت نهاية الخدمة وعلى الرواتب التقاعدية ، ورفع حد النسبة للبنوك ، لكن المفارقة كانت في التضحية بالايرادات ، باعفاء شركات الاسكان ، والزراعة ، والمفارقة الأشد غرابة ، هي تلك التي تمثلت في فرض الضريبة على عوائد استثمار الشركات المالية وشركات الوساطة والصناديق الاستثمارية من الأسهم والصكوك والسندات .. المشهد يدل على أن الحكومة التي تواجه ضغوطا في اتجاهين ، الأول مواصلة حفز النمو ، بايرادات تتناقص ، والثاني ضغط الموازنة لمنع تفاقم العجز ، هي اليوم كمن يسير على حد السيف ، وعينها مفتوحة على حلول تريد لها أن لا تكون آنية ، أو على طريقة تسكين الألم ، وهي ترى أن العلاج طويل الأمد بما يقرب الاقتصاد الأردني الى بوابة الاعتماد على الموارد الذاتية المحسوبة بدقة في مواجهة مساحات الانفاق ، يعتمد على خطة التحفيز الاقتصادي التي يدور حولها النقاش الآن في مجلس النواب وفي الأثناء تواجه الموازنة التداعيات بأسلحة متواضعة ، منها مثلا ضبط التعيينات الحكومية وحصرها بما هو ضروري ، والتركيز في تمويل المشاريع التنموية فقط ، بمعنى أن كل دينار يتم انفاقه لا بد له من أن يحقق عائدا على الاقتصاد ، اضافة الى تحسين كفاءة الإنفاق العام وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق بحيث يتم التركيز على تخصيص النفقات الضرورية والهامة والغاء أو تجميد الإنفاق غير المبرر وغير المجدي ، هذه الخطة يفترض أن تؤطر خطواتها التنفيذية مجموعة القوانين الاقتصادية ، فهل مسارها التي هي عليه الآن ستحقق أهدافها ؟ .
وفي المسألة الأهم ، استثنى قانون ضريبة الدخل المقترح الأشخاص الطبيعيين (الأفراد) او الاعتباريين مثل الشركات من الضريبة على أرباح المتاجرة بالأسهم والمتاجرة بالحصص والسندات والصكوك واسناد القرض وسندات الخزينة والعقود المستقبلية وعقود الخيارات (البيع والشراء في تاريخ محدد وبسعر محدد ) وسندات المقايضة ، لكنه أخضع الأرباح المتأتية في كل ما سبق للبنوك والشركات المالية وشركات الوساطة المالية وصناديق الاستثمار المشترك والتأمين ومن يمارس التأجير التمويلي من الأشخاص الاعتباريين لضريبة الدخل ، وبذلك يكرس ازدواجية ضريبية كان يهدف إلى إزالتها كما أنه يعظم جانب الجباية على سواه من جوانب ايجابية ترمي إلى حفز الاستثمار حتى لو كان الثمن التضحية بإيرادات لازمة ، وقبل ذلك كله أغلق الباب في وجه مأسسة الاستثمار .
يقول خبراء سنحت الفرصة للاستماع إلى أرائهم وهي جديرة بالملاحظة أن القانون المقترح جاء بمفهوم جديد للأرباح الرأسمالية حيث أصبحت وهنا أقتبس الأرباح المتحققة من شراء و بيع الأسهم و السندات والأوراق المالية الأخرى المتداولة في البورصة خاضعة للضريبة، وبذلك يعرف القانون الأرباح الرأسمالية، بأنها الأرباح الناجمة عن بيع أو تبديل الأصول الرأسمالية، و عرفت الأصول الرأسمالية على أنها الأصول التي يتم شراؤها أو المستأجرة تمويليا أو تلك التي بحوزة المكلف على سبيل التملك حالا أو مآلا لغايات الاحتفاظ بها لأكثر من سنة و التي لا تباع و لا تشترى ضمن النشاط الاعتيادي للمكلف . مما سبق فان القانون يحدد حركة صناديق الاستثمار والشركات التي تسعى الى بناء مؤسسية طالما كانت مطلبا للحد من الاستثمار الفردي غير المنظم .
ما سبق من ملاحظات وغيرها كثير ، تفرض تساؤلات مهمة عن أهداف قوانين الضريبة والاستثمار في تعزيز جهود جذب الاستثمار واستقرار السياسات الضريبية بهذا الخصوص.
قد يكون هدف تعظيم ايرادات الخزينة من الضرائب هدف مشروع في ظل تراجع هذه الايرادات ، لكن الحديث عن فلسفة القانون في زيادة حوافز الاستثمار وتحريك المدخرات لن يكون مجديا عندما يبالغ القانون في تنويع مصادر الضريبة الى حد يصل بها الى خلق ازدواجية من نوع ما يخشى أن تسهم في تقويض جهود جذب الاستثمار .
الراي.