ظل عندنا على باب الدار دالية عنب حبتها قد عين النملة، وطعمها لا يصلح إلا لمرضى السكري، وكل من كان يشاهدها في هذه الحالة من الضعف كان يعتقد أننا كنا نقوم بتعذيبها لا بتربيتها.. لأن كل إنتاج الدالية ما بشبع ولد في الصف الثاني فتم نصحنا أن نقوم بتركيبها، وهي أن تأخذ عينة من دالية معروفة بحبتها الكبيرة وطعمها اللذيذ.. ويقوم متخصص بالتراكيب بنقلها الى داليتنا وزراعتها في أغصانها بطريقة فنية متخصصة، وبعد ان ينهي عمليته المعقدة يقوم بلف مكان الزراعة بقطعة شاش كما لو أنه قام بزراعة كبد، وفي الموسم اللاحق فعلا تلاحظ نجاح عملية نقل التركيبة فقد أصبحت حبة العنب بحجم عين الفيل بعد ان كانت لا ترى إلا بالمجهر.
تمنيت أن تنجح مثل تلك التراكيب بنقلها بين البشر.. فقد صعقت أن وصول باخرة قمح واصطفافها في ميناء العقبة بنجاج أصبح عنوانا للانجاز في بلدي ويتصدر معظم نشرات الأخبار.. مع أن دولا أصبح لديها خط نقل عام على القمر ومركباتها الفضائية كل يوم تصعد وتهبط بنجاح دون ذكر ذلك في وسائل الأعلام، ونحن نهلل ونفرح ونذبح عجلا لاصطفاف باخرة بنجاج!
الى هنا وصلنا من حالة الضعف والهوان لنفرح لمجرد اصطفاف باخرة، لذلك تمنيت لو أننا ننجح بنقل تركيبة من وزير نقل ياباني الى وزير نقل أردني، وكيف اعتذروا على ان مجموع تأخر القطارات عن مواعيدها قد بلغ عشر ثوان طوال العام، وأنا حين اضطررت لاستعمال أحد الباصات العمومية في أحد الأيام كان الوقت الذي انتظرناه في الباص حتى يمتلئ ويتحرك هو نفس الوقت الذي تحتاجه عملية قلب مفتوح، وعلى بعض الخطوط من تصعد وهي حامل في الشهر السابع قد تصل الى وجهتها وابنها بحبي وبسنن وممكن تكون فطمته!
كم تمنيت أن ننقل تركيبة من وزير طاقة أميركي الى وزير طاقة أردني، فهم يخزنون النفط لعشرات السنوات مستفيدين من شرائه بأسعار منخفضة حتى يكون بأسعار معقولة للمستهلكين طوال العام، ووزيرة الطاقة لدينا لا تعلن إلا عن ارتفاع أسعار النفط او انخفاضه، فما حاجتنا إذا لكل تلك الكوادر والمستشارين والمباني لوزارة مهمتها فقط متابعة أسعار النفط و يستطيع ان يقوم بهذه المهمة الجليلة موظف مع حزمة انترنت.. متى فكرنا بتخزين النفط حين تكون أسعاره منخفضة بكميات كبيرة حتى نضمن سعرا معقولا للمستهلك لأطول فترة ممكنة.. وأمهاتنا دون تيسلا ومكافآت ورواتب كن عندما تنخفض أسعار البندورة يشترين نصف البكم حتى يوفرن اولا ويضمن مخزونا استراتيجيا ثانيا!
كم تمنيت أن ننقل تركيبة من وزير صحة ألماني الى وزير صحة أردني.. وكيف حين يدخل المريض هناك في ثوان معدودة يكون ملفه الطبي أمام الأطباء.. ونحن حتى نعرف فقط فصيلة دمه يكون أقرباؤه قد عزموا عليه وجهزوا القبر لأن عينات الدم في المختبر أكثر من عدد البزر في الشمام، بدل ان ينقل الوزير القطاع الصحي الى قطاع الكتروني حديث موفرا الأجهزة التي تفتقر لها معظم المستشفيات الحكومية قام بنقل شقيقه مديرا لصحة العاصمة حتى ننعم بخبراته فلم يكتشفه من كل الوزراء السابقين إلا شقيقه الوزير في حكومة النهضة!
كم تمنيت ان ننقل تركيبة من حكومة الصومال الى حكومتنا، فهم رغم الفقر والعجز لم نسمع انهم هللوا لقرض أو شكروا دولا مانحة او طلبوا مساعدات.. فالدول هيبة واحلام قبل ان تكون موازنة وأرقاما!
الغد