المسؤولية الجنائية عن الأخطاء الطبية في القانون الفلسطيني
د. ايهاب عمرو
16-01-2019 07:19 AM
أثار قرار بقانون رقم 31 لسنة 2018 بشأن الحماية والسلامة الطبية والصحية، كجزء من منظومة التشريعات الطبية والصحية في دولة فلسطين بعض الجدل، خصوصاً من قبل نقابة الأطباء، التي دعت إلى إضراب عام في المستشفيات، مع إستثناء مرضى بأمراض معينة كالكلى والأمراض النفسية وغيرها خلال مدة الإضراب، وهو ما يسجل للنقابة بحق، وما تبع ذلك من إصدار محكمة العدل العليا كجهة إختصاص قضائي إداري قرارها القاضي بعدم قانونية الإضراب المذكور وضرورة وقفه في المرافق الطبية مسببةً قرارها بالقول، من ضمن أمور أخرى، أنه يحظر على المؤسسات الطبية الإضراب، مع إستثناء الإداريين والإداريات العاملين والعاملات في تلك المؤسسات.
ولعل مصدر الإعتراض الأساسي يتعلق بموضوعة المسؤولية الجنائية للطبيب/ة، حيث رأت النقابة أنه يجعل الطبيب/ة عرضة لعقوبات جزائية حال إرتكابه خطأ عمدي أو غير عمدي أثناء مزاولة عمله.
وفي هذا السياق، قامت نقابة الأطباء برفع طعن أمام المحكمة الدستورية العليا بشأن الإضراب إستناداً إلى المادة (25/4) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 التي تنص على أن الحق في الإضراب يمارس في حدود القانون. ولا يزال الطعن منظوراً أمام المحكمة الدستورية التي لم تصدر قراراً بشأنه بعد.
ونشر قرار بقانون المذكور في الجريدة الرسمية (الوقائع الفلسطينية) في العدد رقم 147 الصادر بتاريخ 23/09/2018. ونصت المادة (33) منه على أنه يعمل به بعد مرور ثلاثة أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية "الوقائع الفلسطينية".
ونصت المادة (15) من ذات القرار بقانون على أن من صلاحيات اللجنة الفنية تقديم الخبرة الفنية في الشكوى بناءً على طلب النيابة العامة قبل إقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة. وكذلك، تقديم الخبرة الفنية بناءً على طلب المحكمة المختصة أثناء نظر الدعوى. وقامت المادة (19) منه بتعريف الخطأ الطبي بأنه ما يرتكبه مزاول المهنة ويسبب ضرراً لمتلقي الخدمة نتيجة أي من الأسباب التالية: الجهل بالأمور الفنية المفترض الإلمام بها من كل من يمارس المهنة من ذات درجته وتخصصه، وعدم إتباع الأصول والقواعد المهنية الطبية والصحية المتعارف عليها، وعدم بذل العناية اللازمة، والإهمال والتقصير وعدم بذل الحيطة والحذر. ونصت المادة (24) من منه على عدم جواز توقيف الطبيب بجرم إرتكاب خطأ طبي أثناء مرحلتي التحقيق والمحاكمة، إلا بعد صدور حكم قطعي من المحكمة المختصة، على الرغم مما ورد في أي قانون آخر بهذا الخصوص.
ومن خلال دراسة بعض نصوص ذلك القرار بقانون ذات العلاقة، يمكن ملاحظة أنها حققت نوعاً من التوازن بين حق المريض في العلاج وإجراء العمليات الجراحية في بيئة صحية ملائمة ونظيفة من قبل أطباء مؤهلين ومتخصصين وقادرين على إجراء العمليات الجراحية، خصوصاً المعقدة منها، من جهة، وبين حق الطبيب في الحماية القانونية عند مزاولة أعماله وعدم مسائلته إلا في حالة ثبوت خطأ طبي يتم تقريره من قبل المحكمة المختصة، بناءً على تقرير الخبرة الفنية الصادر عن اللجنة الفنية الطبية المختصة، من جهة أخرى.
ومع تقديرنا البالغ لدور الأطباء الريادي إلا أنه لا يعقل أن يبقى المرضى عرضة لإهمال طبي معين من قبل بعض المؤسسات الطبية أو من قبل بعض الأطباء غير المؤهلين وغير المتخصصين أو المهملين أو ممن يحملون شهادات جامعية قد يوجد شك في صحتها وقد تكون مزورة، أو ممن يقومون بإستغلال المرضى من أجل ضمان مراجعتهم لهم لفترة طويلة ولو على حساب صحة المريض/ة ووضعه/ا المالي والعائلي والنفسي.
ومن خلال إطلالة على القانون المقارن، نجد أن معظم دول العالم تنظم موضوعة المسؤولية الجنائية للطبيب حال إرتكابه خطأ عمدي يتحقق بتوافر القصد الجرمي، أو غير عمدي نتيجة تقصير أو إهمال من الطبيب أو من المؤسسة الطبية ما قد يؤدي إلى القتل غير العمدي أو الجرح غير العمدي والذي كان من الممكن تداركه قبل وقوع الضرر بحق المريض/ة لو تم بذل العناية المطلوبة في تلك الحالات.
وتنظم الدول تلك الموضوعة "المسؤولية الجنائية للطبيب" في القوانين التي تعنى بالسلامة الطبية أو في قوانين العقوبات. وذلك مرده إلى أن الحق في الحياة، والحق في الصحة، والحق في السلامة البدنية والعقلية والنفسية تعد من الحقوق الأساسية للمواطنين والمواطنات في الدول كافة حيث كفلتها كل من الدساتير والقوانين على حد سواء. وعليه، فإن إخضاع الطبيب/ة المخالف لأحكام قانون العقوبات يعد منحىً أخذ به القانون الأردني، والقوانين العربية كالقانون المصري، والقانون العراقي، والقانون الجزائري، وبعض القوانين الغربية كالفرنسي مثلاً.