عن الهوية الوطنية والقومية
محمد يونس العبادي
15-01-2019 02:44 PM
إن الهوية الوطنية في دولنا العربية ما زالت مسألة بحثٍ خاصة وأنها هذه دولنا العربية ولدت من رحم مشاريع الاستعمار، ومن ثنايا خطابٍ عروبي جامعٍ.
فمسألة الهوية، التي مضى عليها نحو قرنٍ منذ تشكلت المنطقة ما زالت تحمل ملامحاً يراها البعض متناقضة ويراها آخرون جامعة بما تمثله من قيمٍ عروبية واسلامية ومسيحية تعبر عن وجه المنطقة، فالبعض يرى الجوامع أكثر من المفرقات.
وبالوقوف على مسألة الهوية في دولنا الوطنية، نرى أمثلة لدولٍ كلبنان التي عانت من أزمة هويةٍ حادة عبر عقودٍ من تاريخها، إلى أن أعلنت عن ميثاقها الوطني الذي يعبر عن هذه الأزمة، في الحيرة بين مرجعية الإستعمار (أو نستطيع القول مرجعية آوروبية)،إذ جاء في خطاب رئيس وزرائها رياض الصلح عام 1943م، "أن لبنان ذو وجه عربي يستسيغ الخير النافع من حضارة الغرب".
وبقيت هذه العبارة تتردد على ألسنة اللبنانيين حتى سبعينات القرن الماضي كتعبير عن صيغة مشتركة للهوية، ولكنها نسفت لاحقاً بما شهده هذا البلد من أحداث.
وأيضاً، مسألة الهوية واتخاذ الأوطان أشكالاً اقليمية لها حينا وأشكالاً جامعة وعروبية حيناً آخر، ما زالت محل جدلٍ بين أبناء الوطن الواحد، فبينما تطرح دولٌ عربيةٌ خطاب القومية فانها تنتحل أخرى تعبر عن فئة وتقصي أخرى، مما سبب حالة من الإزدواجية بين الخطاب والممارسة.
وفي عصر الربيع العربي شهدنا حالة من "الوهن" في الهويات الوطنية، وظهور أخرى اقليمية وطائفية ودينية كبديلٍ عنها، حتى أنها أخذت أوجه القتال بين أبناء الوطن الواحد، ولربما الحالة السورية عبر ما شهدته من سنين ماضية هي التعبير الأمثل عما يجري في منطقتنا من ضعف للهوية.
وبين الدولة الوطنية والخطاب القومي.. تبرز الحاجة اليوم إلى اعادة الإعتبار للمفهوم العربي في خطاب دولنا، خاصة في المشرق العربي الذي شهد أحداث الربيع العربي وما أفرزه من حالات تمزقٍ في عمرانه ومجتمعاته.
فالعروبة لم تتناقض يوماً مع مفاهيم الدول الوطنية، ولكنها حينما تحولت إلى عقائد سياسية وأخذت أشكالاً حزبيةً هوت إلى أطر ضيقة، وبقيت حبيسة لها.
وتبقى الرموز واللغة والجغرافيا ويوميات الناس في مجتمعنا العربي هي الوجه الحقيقي للهوية العربية التي هي فوقية وجامعة، دون أن ننزلها إلى مقام التأطير السياسي، فهي بالنهاية ثقافة مشتركة بابها أوسع من السياسة.
ونحن في الأردن، لطالما رأينا أننا في وطن هويته امتداد لمشروع عروبي نهضوي نقيٍ في مراميه وقيمه، وموصول بالثورة العربية الكبرى.. لذا بقي الأردنيون على الأحداث التي شهدتها المنطقة منسجمين أكثر مع حاضرهم وماضيهم وجيرانهم .