حقوق العمال بين الدعم والمؤامرة
حسن الشوبكي
04-08-2009 05:14 AM
عملوا لمدة شهرين كاملين في مقابر وادي الملوك قبل نحو 3164 عاما -أي 1157 عاما قبل الميلاد- وذلك في عهد فرعون مصر الملك رمسيس الثالث، وبعد أن تأخرت أجور العمال التي كانت تدفع من القمح والزيت وسواهما، ما كان من العمال الفراعنة الا أن غضبوا وتركوا ادوات العمل وساروا متتابعين الى معبد المدينة وجلسوا حول المعبد ليطلبوا حقهم من كبير الكهنة - صاحب السلطة والمقرب من فرعون، ليأمر كبير الكهنة بصرف مستحقاتهم لشهر واحد، لكن العمال أصروا على الحصول على مستحقات الشهر الثاني وواصلوا احتجاجهم، وحصلوا عليها بالفعل.
هذا الاضراب العمالي الاول في التاريخ موثق في بردة محفوظة في بلدة تورين شمال ايطاليا، وتكررت بعد ذلك الاضرابات العمالية وتواصلت معها معارك نيل الحقوق حتى وصلت الى المشهد المعاصر بكل ما فيه من تطور من تعقيدات وتفاصيل تتداخل فيها عوامل الاقتصاد بالأمن.
كان هذا قبل الميلاد وبعده، أما اليوم وتحديدا في ثغر الاردن الباسم، فإن حقوق العمال تتلاطم في بحر من عدم الاعتراف بهذه الفئة المسحوقة، التي تحاك ضدها مؤامرة تستخدم فيها كل الاسلحة المحرمة والتي لا تبدأ برفع السلاح في وجه عامل بسيط وضربه وإهانته وملاحقته داخل المستشفيات ولا تنتهي باستخدام النقابة -التي من المفترض ان تمثل العمال وتدافع عن مصالحهم- الموافقة مسبقا على وجهة النظر الرسمية لتوقيع اتفاقات لا تلبي الحد الادنى لأطفال العمال وعائلاتهم.
الاتفاق الذي تم أول من أمس واصطلح على تسميته من قبل العمال المعتصمين في العقبة اتفاق "معايطة معايطة"، إذ تم بين مدير مؤسسة الموانئ عواد المعايطة ورئيس اتحاد نقابات العمال مازن المعايطة، ليس مقنعا للمعتصمين ولا يعبر عن ربع الحقوق العمالية كما يقول العمال انفسهم، إذ لا يحسم الاتفاق الثنائي في الامرين الاكثر إلحاحا وهما التعويض وبدل السكن وذلك لجميع العاملين وليس لفئة محدودة منتقاة، وما مبلغ 7 ملايين دينار الذي جرى الاتفاق عليه ولم يحظَ بقبول عمالي الا جزءا بسيطا من حقوق عمالية تسعى ادارة مؤسسة الموانئ ومعها اتحاد نقابات العمال الى تقليصها الى ادنى مستوى بغية حل الاعتصام وإخلاء المساكن الوظيفية وتسليم الارض الى الشركة الاماراتية التي اشترت ارض الموانئ.
موظفو وعمال الموانئ درة في جبين كل أردني، فهم الذين يعملون تحت أشعة الشمس اللاهبة في الخليج الاكثر سخونة وهم الذين يستحقون منا جميعا موقفا أكثر إشراقا وأكثر عدالة انصافا لحقوقهم، نعم، يستحقون وقتا أطول وجهدا أكبر للحل من قبل رئيس الوزراء والحكومة، ويستحقون دعما برلمانيا حقيقيا لا شكليا ويستحقون ايضا ان تصطف الاقلام والكاميرات الى جانبهم، وقبل هذا كله يستحقون قيادة نقابية تكون سندا لهم لا عبئا عليهم.
العمال الفراعنة في تلك الازمنة الغابرة لم يعاملوا بعنف وقسوة وبمؤامرات تحاك ضدهم لتجزئة حقوقهم، بل استجابت لهم السلطة بسبب عدالة حقهم، وما أحوجنا اليوم الى هذا النموذج الذي يعطي كل ذي حق حقه، ويعلي من كرامة العمال ويحقق لهم شروطا مقبولة للعيش الكريم بعيدا عن الذل والهوان، وهم الذين يعملون ليل نهار في العراء بعيدا عن اجهزة التكييف والقاعات المغلقة وعشاءات العمل الكاذبة، وبغير ذلك، فإن طرفا رئيسا في الاقتصاد سيبقى عليلا.