بإيجاز: في الإصلاح السياسي
د. عزت جرادات
14-01-2019 10:25 AM
*يعبر الإصلاح عن رؤية للتغيير والانتقال من وضع معين إلى آخر أكثر حكمة واستقامة، وإذا ما عني به الإصلاح المجتمعي فأن ذلك يعبر عن رغبة المجتمع في تحقيق تحول نحو الأفضل في مؤسساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهو يوازي فكرة التقدم... والمجتمع الذي لا يتيح المجال للإصلاح في مؤسساته فإنما يعزز فيها الجمود في الرسالة التي تحملها المؤسسة، أي مؤسسة، ويؤدي إلى ضعف الأداء فيها، على مستوى الإفراد والمؤسسات نفسها.
*أن المداخل للإصلاح متعددة، وتتصل بالأزمات التي يعاني فيها المجتمع، سياسية أم اقتصادية أم إدارية ويظل الإصلاح السياسي مدخلاً أساسياً نحو الإصلاح الشامل، إذ يؤدي إلى تغيير ملموس في المجتمع... فهو يرتبط بقيم الديموقراطية، وتطوير التشريعات الناظمة للنشاط السياسي، وفي الوقت نفسه يتطلب تطوير الموارد البشرية، علمياً وإدارياً... واستئصال الفساد وتجفيف منابعه والقضاء على دوافعه، والعوامل التي تؤدي إليه كغياب المساواة والاستقامة والنزاهة والشفافية في التعامل مع إفراد المجتمع.
* أن عملية الإصلاح السياسي لا تحدث في فراغ وليست نزهة فكرية، فهي تنمو في بيئة أو ظروف مجتمعية تدفع باتجاه الإصلاح نتيجة لتفاقم الأزمات أو تجنب حدوثها، أو لغياب الممارسات الديموقراطية نحو المجتمع، أو الاختلال في قيم العدالة الاجتماعية، أو قصور المؤسسات في توفير الخدمات، وبخاصة في (حزمة الخدمات الاجتماعية) وتشمل التعليم والرعاية الصحية والرعاية الأسرية- المجتمعية التنموية. فالإصلاح السياسي الهادف يدفع نحو توسيع قاعدة المشاركة السياسية، بوعي مجتمعي، وتعبير وطني عن طموحات المجتمع وآماله، بما يمتلك من مقومات التنوع الثقافي والاجتماعي، والتعددية الفكرية، والقدرة على مواكبة الحداثة المجتمعية، فتصبح عملية الإصلاح السياسي استجابة لتلك الطموحات والآمال، وتوظيفاً لتلك الإمكانات والقدرات المجتمعية في عملية تطويرية استمرارية لا تتوقف عند إجراءات أو سياسات مؤقتة أو تجريبية، فالأصل أن تكون سياسات الإصلاح السياسي، وبخاصة في مجال التشريعات السياسية، مبنية على وضوح الرؤية والتوافق المجتمعي،بمكوناته ومؤسساته وتنظيماته.
* ومن البدهي أن تقابل عملية الإصلاح السياسي بمقاومة ومعيقات، فغياب الإرادة السياسية الوطنية؛ ونفوذ القوى ذات المصالح والمكتسبات، المجتمعية والسياسية والمادية؛ وضعف مؤسسات المجتمع المدني وتنظيماته، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسطحية التربية السياسية والديموقراطية في المؤسسات والتنظيمات المجتمعية، فكراً وممارسة، تشكل جميعها، من ابرز معيقات الإصلاح السياسي.
فالإصلاح السياسي، في مثل هذا الواقع المجتمعي، يصبح مصلحة وطنية من اجل التغيير نحو الأفضل، وتحقيق أهداف مثلى تتطلب بالضرورة توجيه النظام السياسي نحو الحاكمية الرشيدة التي تتسم بسيادة القانون، والمشاركة الشعبية الواسعة بروح المواطنة والانتماء الوطني، ونحو تصحيح المسارات المجتمعية بمختلف إبعادها، أن عملية الإصلاح السياسي، بهذه المفاهيم، تشكل عملية إحياء وتجديد ودعم للمجتمع بشكل شمولي واستمراري.