في الأخبار أن الشاب قتیبة الذي ذاع صیته بعد تفاعل رئیس الوزراء عمر الرزاز مع تغریدة له نصحه فیھا بعدم الھجرة، تقدم فعلا بطلب للمنافسة على تأشیرة سفر وإقامة في الولایات المتحدة.
لم یسمع قتیبة كلام الرزاز ومثلھ الآلاف یحلمون بالعمل في الخارج، فمن قال إن الاغتراب والعمل في الخارج عار على الأوطان وأھلھا. مئات الآلاف من الأردنیین تغربوا وما یزالون یعیشون في بلدان بعیدة وقریبة، ولم تنقطع صلاتھم بالوطن. كان ھذا ھو حال الملایین من البشر حول العالم منذ القدم؛ سعي دؤوب نحو الأفضل وتجربة مستمرة لاكتساب الخبرات وفرص العیش.
الاغتراب للدراسة والعمل لیست تنكرا للوطن، وفي عالم انقسم منذ زمن بعید لدول متقدمة واخرى نامیة، ظل طموح البشر في دول الجنوب الاشتباك عن قرب مع حضارات الشمال المتقدمة لنیل العلم والمعرفة والثراء.
الأردنیون مثلھم مثل سائر الشعوب العربیة خاضوا في وقت مبكر تجربة الاغتراب، وأبدعوا أینما حلوا. صحیح أن الحنین للأوطان یظل فینا حتى الممات، لكن في عالم الیوم الذي تحول لقریة صغیرة،یستطیع المغترب أن یتواصل على مدار الساعة مع أھلھ ووطنھ، ویزورھم متى شاء.
قد یقول قائل بأن الأوطان أصبحت تضیق بأبنائھا؛ فقرا وحاجة وبطالة، فیغدو الاغتراب خیارا لابدیل عنھ.ھذا صحیح، لكن العالم كلھ الیوم أصبح سوقا واحدة یتنقل البشر فیھ كما البضائع، وتظل القیمة المضافة محفوظة للبلد الأم.
المغتربون الأردنیون ھم من أكبر الجھات المساھمة في رفد الاقتصاد الوطني بالعملة الصعبة.
وفي اغترابھم حضور مشرف لبلادھم ومساھمة تقدرھا الدول المستضیفة. حتى أولئك الذین تجنسوا بھویات دول أجنبیة، لم یفقدوا حقھم بالوطن،مساھمة في الحیاة السیاسیة والاقتصادیة، وخبرات مضافة لخبرات أبناء البلد.
لسنا وحدنا في ھذا المضمار،في دول أوروبا یقیم الآلاف في غیر بلدانھم الأصلیة، وعندما شرعت بریطانیا بمفاوضات الخروج من الاتحاد الأوربي كان مصیر الآلاف من الإنجلیز في فرنسا على سبیل المثال واحدا من أھم ملفات التفاوض.
وفي أمیركا بلد المھاجرین، اختار الكثیرون في السنوات الأخیرة الانتقال للعیش في كندا بحثا عن فرص عمل وحیاة أفضل.
عشرات الآلاف من الأردنیین یعیشون الیوم في الولایات المتحدة وكندا، لم یتخلوا عن ھواھم الأردني ولا عشقھم للمنسف، یعیشون في كنف ھویة أمیركیة دون أن یفقدوا الإحساس بھویتھم الأردنیة.
في دول الخلیج العربي یمثل الأردنیون جیل البناة الأوائل، ومكونا أصیلا في قصص النجاح التي حققتھا ھذه الدول.
دائما مایشعرنا ذلك بالفخر، فلماذا نتحسر على شبابنا الیوم إذا ما فكروا بالاغتراب؟!
شخصیا لم أجرب الحیاة خارج الأردن لأكثر من أسابیع قلیلة، لكن كلما التقیت أردنیا مغتربا وسمعت قصة حیاتھ في الغربة، لا أجد ما یدفعني للحزن أو الحسرة على بلادنا. الحیاة ممكنة في دول الاغتراب، وقد تكون في كثیر من الأحیان بمواصفات أفضل من الحیاة في الأردن، ذلك لا یعیبنا ولا یدفعنا للشعور بالجحود.
نحب وطننا ونفدیھ بالأرواح، لكن نستطیع أن نعیش بعیدا عنھ. ھاجر یا قتیبة ما المشكلة أن تھاجر؟
الغد