السُّودَان دَوْلَة عزيزة لَهَا مَكَانَة فِي قلب كل عربي، لـمَواقِفِهَا الإيجابية من القضايا العَرَبية والإسلامية طَوال عقود، وَلِطِيبَة أهلها، وحسن عشرتهم، ويبدو أن الأمور فِيهِا وصلت إلى الأسوأ من خِلال المظاهرات والاحتجاجات الَّتِي أوْدَت بِحَياة ما لا يقل عَن 37 مواطنًا، وهَذَا مؤلم بِالـمَقَايِيِسِ كلِّها، ولا يملك المرء إلا أن يتمنى الخير كله لِلْسُودَانِ، وأن تنعم بالأمان، وَالْحَياة الكريمة.
تعد السُّودَان من أكبر دول العالم مَسَاحَة (السَّادِسَة عشرة عَالميًا) وَهِيَ تفوق بِمَسَاحَتِهَا كلًا من إيطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا مُجْتَمِعَة، ويزيد عدد سُكَّانهَا عَن أربعين مِلْيُون نسمة (34 عَلَى مُسْتَوَى العالم) أي أكثر من عدد سُكَّان كندا، وَالسُّودَان غنية بِالـمَعَادنِ، والأراضي الزِّراعِيَّة الخصبة، والماء، ورغم ذلِكَ فإنها تُعَانِي من أزمة اقتصادية خانقة وصلت إلى حد عدم توفر الخبز بِشَكْل كَافٍ، وَكَذلِكَ الكهرباء، والبنـزين، وغيرها من المواد الضَّرُورِيَّة لِحَيَاة الإنسان.
يُعَانِي الاقتصاد السوداني الصغير بِالنَّسْبَةِ لِبَلَد كَبِير من اختلالات هيكلية، وَمُشْكِلات كَبِيرَة، واعتماد شبه كَامِل عَلَى المواد الخام الأولية، والزراعية، وضعف بِالتَّصْنِيعِ، ويتهم المعارضون السودانيون الحُكومَة بسوء إدارة البلاد، وعدم القُدْرَة عَلَى استثمار الإمكانيات الهائلة فِي البلد فِي دفع عجلة التنمية للأمام، وترد الحُكومَة عَلَى ذلِكَ بأنها عانت من عقود من الحصار الاقتصادي، والعقوبات الأمريكية، ورغم ذلِكَ فإن جهات مُحايدة تَقُول إنه كانَ بالإمكان ورغم الظروف كلها، الارتقاء بِالاقْتِصَادِ السوداني، وَوَضَعَهُ عَلَى سِكَّة التقدم حَتْى يخرج من أزْمَته، ويصبح اقْتِصَادًا قويًا قَادِرًا عَلَى تحقيق أحلام السودانيين.
يظهر من خِلال تظاهرات السودانيين، وَهِيَ مطالبية شعبية بِالدَّرَجَةِ الأولى، ولا دخل كبيرًا لِلأحْزَابِ بِهَا أنها مُخْتَلِفَة عَن سابقاتها، وأنها أكثر خطورة مِنْهَا، وَيَجِبُ عَلَى نظام الحكم فِي السُّودَان الانتباه لِهذا، وإذا تَمَّ إعطاؤه فُرْصَة الاستمرار فِي الحكم أن يعي الدُّروس والعبر مِمَّا حَصَلَ مَعهُ خِلال الثلاثين سنة السَّابِقَة، وأوْل خطوات الإصلاح تَكُون بِالاعْتِرافِ بالأخطاء، وَالعَمَل عَلى إصلاحها، لإطْلاقِ قدرات هَذَا الشعب العظيم الصابر حَتْى يصل إلى مصاف الدُّوَل المتقدمة.
ومِن الـمُهِم الخُرُوج من مَنْظُومَة الحكم العسكري، وتسهيل قوانين وإجراءات الاقتصاد، وتمتين الجبهة الداخلية بِمُحارَبَةِ الفساد بِشَكْل حقيقي، ولا يُمْكِنُ لِلاسْتِثْمَارَاتِ الخَارِجِيَّة أن تتدفق دونَ هَذِهِ الإجراءات، والأهم من ذلِكَ هُوَ ترشيق جِهاز الحكم، وَجَعَلَهُ أكثر دينامكية، وإبعاده عَن القرارات الَّتِي تصدر وِفقًا لِلْنَظْرةِ الأمنية المجردة، لأنَّ ذلِكَ كله يضر بِالاقْتِصَادِ، ولا يُمْكِنُ أن يفتح بَاب التطور.
الأمل فِي أن تخرج السُّودَان من أزْمَتهَا كَبِير، وأن تُصْبح قوية لتدعم أمَّتهَا العَرَبية، وأن نصل إلى مرحلة نَقُول فِيهِا إنها تَحَوَّلَت إلى سَلَّةِ الغذاء العربي، وَلَعَلَّ هَذَا اليَوْم يَكُون قريبًا.
Mrajaby1971@gmail.com