لا يغيب عن ناظري مشهد قاتل رابين، في العام 1995 كان التلفزيون الإسرائيلي يبث على الهواء الاحتفالية التي قتل فيها بطل الحرب والسلام عندهم. فهو عندهم كما صلاح الدين عندنا؛ فاتح القدس!
ذلك التاريخ كله أنهاه شاب متطرف برصاصات مسدس. ربما كان رد الفعل الغريزي للحرس والأمن إطلاق النار على القاتل. ما حصل العكس ضرب الحرس طوقا على الفتى المجرم حماية له من الجمهور الثائر على قتل قائدهم الذي جاءوا يحتفلون معه وبه. بهذا انتصر العدو علينا بإعلائه مكانة الإنسان اليهودي وخضوع الجميع لسيادة القانون.
سأفترض أن عمال الميناء في العقبة ينفذون مخططا إقليميا لضرب الاستقرار في الأردن وتحطيم أنموذج العقبة الخاصة التي نثرت الرمال ذهبا في وجوهنا. هل يجوز أن يلقى "المطلوب الدولي" عاهد العلاونة من سيارة الدرك كما زعم زملاؤه العمال أم هل يقبل أن يفر من السيارة مطلوب مثله وهي مليئة بالدرك المدججين بالسلاح والقيود؟ في الحالتين توجد مصيبة تستدعي التحقيق والمساءلة.
بعيدا عن الافتراض لغاية النقاش، العلاونة عافاه الله مثله مثل كثير من الطيبين الذين يسعون في مناكب الأرض لتأمين متطلبات حياة الكفاف الكريمة العزيزة. أتابع قضيتهم منذ البداية ومطالبهم محقة وبسيطة لا ترقى إلى نثر الرمال ذهبا، ولا تداني الصفقات المليونية في المنطقة الخاصة. هم لا يريدون موطئ قدم في منتجعات الرفاه ولا يحق لم دخولها أصلا هم يطلبون حقوقا عمالية في التثبيت والسكن والتعويض. وإن لم يجن هؤلاء ثمار النهوض الاقتصادي الكبير فمن يجنيها؟!
اتصل بي أحدهم ليلة الإضراب في الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل واعتذر هل أزعجناك؟ قلت أبدا! فأخبرني أنهم وعوائلهم سيواصلون الاعتصام. لا أدري إن كان المتصل مصابا أو معتقلا، شعرت بالأسى لأني كنت نائما وهؤلاء لا ينامون، ويومها كتبت مشيدا بالسماح لهم بالاعتصام من دون قمع إلا أن الفرحة لم تتم!
بكلام وعظي بسيط. هؤلاء العمال البسطاء هم من يصنعون الاستقرار الذي ينعم به أصحاب الذهب المنثور. ولا بد من أن ينالهم شيء من التحسن الذي أصاب العقبة. ومن قبيل السخرية السوداء أن مسؤول الإعلام في المنطقة الخاصة اتصل قبلها بيوم يدعوني لحضور حفل إطلاق المها العربي في وادي رم! وهو ما يشي بعمق أحساس المنطقة الخاصة بحياة العمال!
لا أطالب بتشكيل لجنة تحقيق لمساءلة الدرك فقط. بل لجنة تحقيق سياسية على أعلى مستوى تقول لنا ما يجري في العقبة. لا يُحقَق عادة وإن حقق في ما دون ذلك لا تظهر نتائج التحقيق. ولننثر الرمال ذهبا!
yaser.hilala@alghad.jo