سرعة ومفاجآت تغير التحالفات في المنطقة
فتح رضوان
11-01-2019 03:11 AM
سرعة ومفاجآت تغير التحالفات في المنطقة وضرورة إعادة التموضع أردنيا وخليجيا وعربيا في العلاقة مع إيران وأمريكا.
أصبح الوضع عصيا على التحليل هي عبارة أصبحت تقال على لسان معظم المحللين في المنطقة وخارجها وهذا صحيح فالنسق الذي كانت تسير فيه الأحداث العالمية والإقليمية والذي اعتدنا عليه عشرات السنين لم يعد فاعلا في تحليل ما يجري.
أما أهم سبب للانقلاب على النسق الذي كان سائدا فهو أولا محاولات تطبيق الفوضى الخلاقة كما أسمتها كوندوليزا رايس ( لماذا نعتقد ذلك لأننا على سبيل المثال لا نجد تفسيرا لاستمرار حرب اليمن وكأن الحوثيين وهم في الأصل أهل قرية لا ذكر لها في تاريخ اليمن أصبحوا قوة عظمى تقرر مصير ثلاثين مليون عربي - ألا يبعث ذلك على التساؤل والصدمة ولا نجد حتى قدرة على فهم هذا الوجوم الرسمي العربي إزاء محاولات تدمير البلدان العربية ومن داخلها).
لقد اخترقت الفوضى الربيع العربي عمدا وقصدا وتخطيطا وتنفيذا بآليات وميكانيكيات الثورات المضادة التي استعرت حتى في البلدان التي لم تحدث بها ثورات فصار الهجوم على أي محاولات إصلاحية قاسيا وتم معاقبة الشعوب العربية بلقمة عيشها.
لقد اختلفت النظرة الأمريكية للمنطقة وتركتها للفوضى وقد ابتدأ اختلاف النظرة الأمريكية للمنطقة في عهد أوباما، ووجد خطابه آذانا صاغية في ذروة أزمة الرهن العقاري في العام ٢٠٠٨ بل وقبل ذلك أثناء حملته الانتخابية.
سياسة أوباما لم تكن إلا التقاط دروس غزو العراق وأفغانستان وانعكاس ذلك في الرأي العام الأمريكي حيث أورثه بوش الإبن أزمة مالية وإفلاس بنوك ومخاطر فقدان ملايين الأمريكيين لبيوتهم بل ولمصادر رزقهم وأخذ أوباما كذلك بدراسات مراكز البحوث الأمريكية في اتجاهات المصلحة أمريكيا في السياسة الخارجية وقد شجعت كل هذه الحقائق أوباما وحتى كلينتون قبله على سياسة الحذر على غير سرعة التدخل المعتاد أمريكيا في المنطقة، هذه العقيدة لم يستطع أوباما تفعيلها كما كان يريد بفعل اللوبيات العاملة في الساحة الأمريكية ولكن فعله والذي اتسق مع نظرية الفوضى الخلاقة في المنطقة جعل أمريكا بكل قدراتها وعنفوانها تتخذ سياسة ردود الأفعال المقصودة مع الحفاظ على الهيمنة على الحلفاء المعتادين ولا سيما في عالمنا العربي فمنطقتنا ستبقى خط الدفاع أمام السيل الصيني الهدّار وسيبقى نفط المنطقة من أهم عوامل الحفاظ على هيبة الدولار.
كان أوباما يعتقد أن أقصى الشرق ولا سيما الصين هي أولى بالاهتمام في صياغة السياسة الامريكية الخارجية مع التركيز على خدمة المواطن الأمريكي وكان يرى أن مشكلة الأنظمة الشرق أوسطية مع شعوبها وليس مع النظام العالمي ولذلك أصر إصرارا عنيدا على عدم التدخل في الشأن السوري ولم يكن متحمسا كثيرا للعلاقة مع المنظومة الخليجية ما دامت محافظة بلا ثمن على حلفها مع أمريكا بل ولم يكن أوباما راضيا عن السياسة الإسرائيلية حتى وإن بقي داعما قويا لإسرائيل بفعل اللوبي الصهيوني في أمريكا ووعوده الانتخابية لهم وبعد انتهاء الفترة المسموحة له في الحكم كان من بين أقوى المرشحين للرئاسة من هو أكثر تطرفا في الحماس للابتعاد عن المنطقة بل وحتى الانكفاء على الشأن الداخلي كما في الدول الإسكندنافية وهو بيرني ساندرز ولا أعلم لماذا أحجم عن الاستمرار في السباق الرئاسي مرشحا عن الحزب الديمقراطي آنذاك وحاليا هناك أخبار تتناقل في هذه اللحظة أنه يفكر بخوض السباق الرئاسي الفادم في ٢٠٢٠ ردا على سياسات ترمب.
ولكن وعلى عكس ما أراده أوباما لأمريكا من بعده فقد فعلت اللوبيات فعلها في أمريكا في بروز نجم متطرف شعبوي لا يفقه السياسة وهناك شكوك قوية حتى بقدراته في إدارة التجارة لولا ما برع فيه من القدرة على المناورة والمرونة المفرطة إن لزم الأمر عقب مواقف بدت صلبة في بداياتها وهذا ما برز في تعامله مع كوريا الشمالية ومن ثم تركيا وأغلب الظن أنه يتوسل ولو خفية من أجل إذابة الثلج مع الإيرانيين أو قد يشن عليهم الحرب فجأة لا ندري فالرجل يصدر قراراته دون سابق إنذار ولولا قوة المؤسسات الدستورية الأمريكية لفعل ما لا يخطر ببال أحد.
ومما لا ينبغي تجاوزه هنا جهل أو تجاهل ترمب لما فعلته أمريكا بالمنطقة فهو يقول بأن أمريكا أنفقت مئات المليارت في حروب المنطقة ولم تجن شيئا وَمِمَّا يدمي القلب أن لا أحد من زعماء المنطقة يرد عليه، فكأن أمريكا أنفقت ملياراتها في نشر التنمية والعلوم والثقافة ومحاربة الجهل في المنطقة متناسيا أن المليارات التي يتحدث عنها استخدمت في تدمير أفغانستان والعراق ونشر الدمار وحل الجيش العراقي ونشر الفوضى والتمكين للطائفية والجهل والتخلف خدمة لأجندات قد تساعد في تخريب ألنظام الأمريكي ذاته على المدى المتوسط والبعيد وتنهي كل وجود أمريكا في المنطقة على المدى المتوسط والبعيد، فثعالب أمريكا الذين يحكمونها يدركون ذلك جيدا بل ويتهمهم التيار الوطني الأمريكي بالخيانة العظمى لمصالح الشعب الأمريكي.
إذن نحن نشهد في اللحظة الراهنة تخبطا أمريكيا (ناتجا عن اختلاف تقييم أهمية المنطقة لأمريكا ولا سيما بعد أن أصبحت أمريكا بلدا منتجا للنفط ) وعجزا أوروبيا وقوى متحفزة إقليميا كإيران وتركيا وقوى تعمل جاهدة لإعادة أمجادها كروسيا وسيل صيني هدار يسير باتجاه أوروبا مرورا بالشرق الأوسط بكل حماس واندفاع لاحياء طرق تجارة الحرير القديمة للصين مع أوروبا مرورا بالشرق الأوسط برا وبحرا .
وهنا لا ننسى مطبخ حروب المنطقة (إسرائيل) بأحلام خرافية تعتقد أنها ممكنة وهي تتجاهل بكل غباء حقائق على الأرض حتى قال أحد الخبراء عندهم بعد قرار ترمب سحب القوات الامريكية من سوريا بأن على اسرائيل أخذ الحذر الشديد لأن العالم أصبح متوحشا ( هذا ما حصل فإسرائيل المجرمة والمتطرفة والتي تعتبر النظام العالمي في جيبها الصغير - أصبحت نخبها ترى العالم متوحشا).
الان نأتي الى بلدان الاعتدال العربي كما تسمى ( المنظومة الخليجية والأردن ومصر) وأتخيل ذلك الجندي الأمريكي الذي تاه في غابات فيتنام خلال الحرب الامريكية الفيتنامية وبعد أن عثروا عليه ربما بعد عشرين عاما أو خمسة عشر عاما كان لا يزال ذلك المسكين يعتقد أن الحرب لم تنته.
باختصار حسابات دول الاعتدال العربي والعرب جميعا في السياسة لا تزال بكل أسف قديمة وتذكرنا بالآية الكريمة في قصة سيدنا سليمان ( فلما خَر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين).
فيا أيها المعتدلون العرب أمريكا لم تعد تضبط تصرفات ترمب حتى تتمكن من حمايتكم الى الأبد، ومع أهمية التكنولوجيا الفائقة الأمريكية فهي تواجه عالما سئم سيطرتها وتجمع لدينا من القوى العالمية ما هو قادر على تحديها حتى تكنولوجيا وإن كان العرب معجبون بأمريكا وحريصون عليها فالأولى أن يقولوا لها كفاكم طغيانا فسوف تضيعوا أنفسكم وتضيعونا معكم ونحن نضع كل ما لدينا بسلتكم.
نحن ليس فقط كأنظمة بل أيضا كشعوب معجبون بأمريكا فأمريكا بلد ديمقراطي متعدد الأعراق، منفتح، يمنحنا ضمن شروط معينة جنسيته ويعيش مواطنونا فيها بكل طمأنينة وينطبق ذلك بدرجة أقل على البلدان الأوروبية على عكس بلدان الانغلاق الثقافي في شرق آسيا حيث صعوبات التواصل والانغلاق الاجتماعي والاضطهاد حتى لمواطني هذه الدول من المسلمين تحديدا ولا سيما في الصين، اذا فمصلحة العرب مع أمريكا والغرب ولكن العرب بمجموعهم قادرون وفي هذه اللحظة التاريخية على جعل العلاقة بأمريكا علاقة الند بالند كما فعلت كوريا الشمالية وتركيا .
ينسى العرب ودوّل الاعتدال العربي أن الشعب الأمريكي في اللحظة الراهنة بدأ يدخل مرحلة الاضطهاد السياسي وأكبر دليل على ذلك ما يفعله ترمب جزافا ضاربا بعرض الحائط رأي كل من يخالفه من إدارته ومن النخب الأمريكية وجزء هام من الشعب الأمريكي.
نأتى الان الى ضرورة إعادة الحسابات مع إيران ونحن نرى بكل أسف أن الدول العربية - عن قصد أو عن تخبط ودون وجود رؤية واستراتيجية واضحة - نرى هذه الدول وهي تسير ببلاهة سياسية خلف أمريكا - تحقق لإيران كل ما تشتهي وكل ما لا تستطيع إيران تحقيقه بذاتها حين تتباهى بالسيطرة على اربع عواصم عربية، فمتى كان ذلك ليتحقق لولا أن الهجوم على العراق تم بمباركة العرب ثم قدمت أمريكا العراق لإيران على طبق من ذهب.
إن أمريكا وحلفاءها العرب حققوا للنظام الإيراني كل أهدافه ابتداء من لينان ومحاصصاته الطائفية ومن ثم العراق: احتلالا ومن ثم تمكينا للطائفية ومن ثم سوريا: تدميرا ثم تمكينا للطائفية، كل ذلك فعلته المنظومة العربية وأمريكا وهم يتحدثون ليل نهار عن خطر النظام الإيراني على استقرار المنطقة .
إننا نمارس البلاهة السياسية ونحن نعتقد أن تجنب خطورة إيران تكمن في التقيد بسياسة النفاق الأمريكي في العلاقة مع إيران حتى لو كان الأمريكان حلفاؤنا فها هم الأشقاء في قطر وتركيا من أكبر حلفاء أمريكا ويقيمون مع إيران علاقات متينة وبمباركة ورضى أمريكا.
لماذا التردد في العلاقة مع إيران وإذا كان المبرر الحفاظ على علاقتنا مع حلفائنا التقليديين فحلفاؤنا التقليديون متحالفون مع إيران ظاهرا وباطنا بحسب نتائج الأحداث على الأقل وأخطر ما في مرحلة التيه السياسي الذي نشهده عالميا هي سياسة المحاور فها هم الأعداء يصبحون أصدقاء بِين عشية وضحاها والعكس صحيح فماذا لو أفقنا في الأردن مثلا على عودة علاقات أشقائنا السعوديين مع طهران، هل يليق بِنَا الهرولة خلفهم وعلى العكس تماما ماذا لو اتبع العالم جنون جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي وجنون اسرائيل وقرروا شن حرب على إيران وهذا ربما يجد موافقة من ترمب للخروج من مأزقه بل مآزقه الداخلية.
ومع كل حنقنا على سياسات النظام الإيراني في الإقليم ففي إيران اثنا عشر مليونا من العرب والإيرانيون يطلبون طيب العلاقة مع العرب وشعب إيران هو شعب مسلم وجار إقليمي ومرة أخرى يستطيع العرب صياغة العلاقة مع النظام الإيراني على أساس الاحترام المتبادل ونقاش كل الخلافات السياسية دون وساطة أحد وتحديدا دون وساطة أمريكا التي يحلو لها بيعنا السلاح بمئات المليارات بحجة درء الخطر الإيراني وهم يحرسون مشروعها الطائفي في العراق وسوريا وعلى عين العالم أجمع.
لماذا نخاف من ايران ونحن نشاركها الدين والثقافة و أكبر العلماء في التاريخ الإسلامي أتون من أقاليمها والتشيع ابتدأ عندنا وعمر التشيع في إيران لا يزيد كثيرا عن خمسمائة عام .
أما لو خصصنا الأردن بالحديث فالمؤكد أن ايران ترغب بعلاقات طيبة مع الأردن والمؤكد أن تجارتنا وكل مصالحنا في كل من العراق وسوريا تمر عبر الرضى الإيراني مع الانتباه أنني أطلب تغيير التكتيكات لا الاستراتيجيات فلا يمكن لمن يعتبر نفسه عربيا أو إنسانا أن يقبل بتقسيم المنطقة طائفيا لأن ذلك أخطر من أسلحة الدمار الشامل على شعوب المنطقة.
اليست علاقات طبيعية بين العرب وإيران قادرة على كبح جماح مجرمي الحرب في إسرائيل وعدم تشجيع أمريكا على شن حرب على إيران قد تكون آثارها مدمرة في معظم المنطقة العربية وللأسف الشديد بعيدا آلاف الأميال عن أمريكا، فشعوبنا هي من يدفع دائما ثمن حماقات أمريكا في المنطقة .
وعلى العكس ماذا لو أفرزت الانتخابات الرئاسية في أمريكا عام ٢٠٢٠ رئيسا اشتراكيا مثل بيرني ساندرز.
إن استبدال عداء العرب ظاهريا مع إسرائيل بعداء بين العرب وإيران شيء مهزوز ومفضوح ولن يمر.
ليس بالضرورة أن تكون علاقاتنا في الأردن على سبيل المثال مع إيران ضد أحد فنحن نبرر علاقتنا مع إسرائيل بأنها تخدم قضية القدس وشعب غزة فمن باب أولى أن علاقة على أسس طبيعية بين الأردن وإيران ستخدم الأشقاء في الخليج خدمة عظيمة وسنوفر عليهم - في حال نجحنا مع باقي حلفائنا في تحقيق مصالحة إقليمية - صرف مئات المليارات على شراء الأسلحة.
إن الانتصار على طائفية النظام في إيران يكون بالحوار وقوة الإرادة الذاتية في كبح جماح مشروعها الطائفي البائس وهذه مهمة تؤديها طاولة حوار صادق بمفعول أعظم ألف مرة من السلاح الأمريكي.
لقد سئمنا جنون شركات بيع السلاح في أمريكا وأوروبا وروسيا فشعوب المنطقة حتى في أغنى دولها النفطية بأمس الحاجة لكل دولار.
إن كفاءة صانع القرار السياسي العربي تبدو منخفضة جدا في استغلال موقع من أخطر المواقع الجيوسياسة في العالم وهذا للأسف مضافا اليه انخفاض كفاءة الإدارة الداخلية في الاقتصاد واستغلال الموارد وعدم وجود مشاركة سياسية حزبية يجعل العرب قليلي الحيلة وعديمي القدرة على المناورة في مجال رحب جدا محليا وفي كل دولة عربية وإقليميا ودوليا وليقل المطبلون الخادعون لأوطانهم ما يشاؤون فالشمس لا تغطى بغربال.