الدين في اللغة الطاعة والانقياد، طواعية واختياراً، رغبة واقتناعاً، والدين الحق هو الاسلام الذي جاءت به كل الرسالات، لتحقيق منفعة الانسان ومصلحته، وهدايته وسعادته، ووظائف الدين كثيرة، منها ما يتعلق بالفرد ومنها ما يتعلق بالمجتمع والامة والانسان، والموجودات كلها، تزكية واحسانا عمراناً وتحضراً، قيماً واخلاقاً، في الدائرة الاجتماعية والفكرية، والسياسية والاقتصادية، وفي اطار توحيد الامة وتعارف الانسانية، وقبل ذلك في اطار تنظيم العلاقة التعبدية بين الانسان وربه، والعلاقة بين البشر، بعضهم مع بعض وبينهم وبين سائر الموجودات.
واذا كان القرآن الكريم - في الاصل - كتاب هداية، فان وظيفة الاسلام الاولى هي هداية الانسان، واخراجه بؤسه وازماته ومشكلاته الى ما يرجوه من سعادة وفرج ومعرفة وحياة كريمة، وتلك - بالطبع - مقاصد الشريعة التي حددها فقهاؤنا في الضروريات والتحسينات والكمالات، ابتداء من حفظ الدين الى حفظ النفس والمال والعرض والعقل، وما يشتمل عليه كل ذلك من رعاية لمصالح العباد وشؤونهم، واهتمام بتفاصيل حياتهم وحمايتهم من العبث والضلال، وتمكينهم من التصرف بحرية واقتناع، حيث لا اكراه في الدين ولا في الدنيا، ولا انقياد لأحد غير الخالق عز وجل.
الدين، بالطبع ثابت ومقدس وهو الهي لا يخضع لمعايير البشر النسبية، لكن التدين بشري ونسبي ومتغير، ووظائف الدين وان كانت محددة ومعروفة، الا ان وظائف التدين متغيرة ومختلف عليها، تبعاً لتغير الأمكنة والأزمنة والظروف، والمتدين في العادة يحاول ان يرتقي بنفسه الى أعلى درجة من درجات الدين، لكنه يظل عاجزاً عن الوصول الى الكمال، وهو - لذلك - يسعى ويجتهد، يخطيء ويصيب، يتقدم ويتراجع، كلما اقترب من الدين، فهماً وتطبيقاً، كلما كان حظه من القرب الى الله تعالى اكثر.
ترى، هل بوسع المسلمين اليوم اعادة فهم وظائف دينهم، ومعرفة اولوياتها، وتحديد حكمها، وهل بوسعهم ايضا الارتقاء بتدينهم الى مستوى مقاصد الدين واهدافه؟ أخشى ان اقول بأن كثيراً من انماط تديننا لا تعكس الا جزءاً بسيطاً من مقاصد ديننا، وبأن ثمة توظيفاً غير صحيح لهذه المقاصد، بل وتعطيلاً لها بسبب او بدون سبب.
قال الله تعالى (قل هل ننبئكم بالاخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا). (الدستور)