«الأردن مستهدف»، عبارة تسمعها أينما حللت وارتحلت في طول البلاد وعرضها.. تسمعها من مسؤولين كبار، ويرددها مواطنون عاديون.. وعندما تسأل: مِمَن وكيف؟ يدرك محدثك الصباح ويتوقف عن الكلام المباح.. هو إحساس عميق بالخطر والاستهداف، يشبه إحساساً أعمق بالخيبة والخذلان من الأشقاء والأصدقاء، عندما يُقال لك على سبيل المثال: «أن الأردن كرغيف الشعير، مأكول ومذموم».
هل الأردن مستهدف ومِمَن؟.
سؤال حاولت جاهداً البحث عن جواب عليه، فماذا وجدت؟.
خلافاً لنظرية الاستهداف هذه، وجدت أن الأردن يتمتع بـ»شبكة أمان» إقليمية ودولية، ساعدته على اجتياز مختلف المنعطفات الحادة ولحظات التحول في مسيرته الطويلة.. ورأيت أن الأردن، دولة محترمة على الساحة الدولية، شرقها وغربها، وأنه يحظى بمكانة خاصة لدى العديد من مراكز صنع القرار الدولي، من موسكو إلى واشنطن، ومن بروكسيل إلى لندن وباريس وبرلين وبكين ونيودلهي وبرازيليا وكيب تاون وغيرها.
في نظرة إلى جوارنا العربي والإقليمي، يحتفظ الأردن بعلاقات ودّية عابرة للمحاور العربية.. نختلف مع طهران، ولكننا لا نستفيق على أخبار الحرس الثوري وفيلق القدس أو الميليشيات المذهبية.. لا تعجبنا بعض المقاربات والسياسات التركية، بيد أن علاقاتنا بأنقرة تتطور على نحو مرضٍ تماماً، عززتها مواقف الرئيس التركي الأخيرة من مسألة الولاية والرعاية على المقدسات المقدسية.
علاقاتنا مع دول الخليج تجاوزت أزمتي اليمن وقطر معاً.. بعض الفتور شاب علاقاتنا بالدوحة وبعض الحذر مع زال يطبع هذه العلاقات، لكنها علاقات طبيعية، وآخذة في التحسن برغم تفاقم حدة الاستقطاب والتنابذ بين الدوحة وعواصم عربية أخرى.. صحيح أننا طالما تطلعنا لدعم خليجي أكبر لاقتصادنا الوطني في محنته الراهنة، لكن ذلك لا يجعل من الأردن موضع استهداف من أي هذه الدول.. صحيح أن صفقة القرن، فتحت الباب لتأويلات وخلافات مضمرة، بيد أن المشهد الأردني – الخليجي، لا ينبغي أن يكون بحال، مصدر قلق أو تحسب، ولا يتعين أن يغرقنا في «هاجس الاستهداف».
علاقاتنا مع مصر والعراق، وقريباً سوريا، في تحسن مطرد، وصراع الأقطاب والمحاور العربية زمن الحرب الباردة انتهى وهيهات أن يعود في المدى المنظور، هذا إن عاد.. فمن أين يأتينا القلق؟.. ولماذا كل هذا الرواج لنظرية استهداف الأردن؟.
تعرضنا كغيرنا لتهديد إرهابي، وكنّا الأكفاء في التصدي له بقوة وحزم، وقطعنا الطريق على أهدافه ومراميه الشريرة بفعل كفاءة قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية ويقظة مواطنينا، والإرهاب من قبل ومن بعد، لا يُبقي دولة أو مجتمعاً خارج دائرة استهدافاته، ولن تجعلنا بعض العمليات التي نجح الإرهابيون في تنفيذها على حدودنا أو في مدننا، نعيش في قلق الاستهداف.
أجزم، بأننا مستهدفون على المدى المتوسط، وربما القريب، من قبل مصدر تهديد واحد: إسرائيل، فدولة الاحتلال والتوسع والاستيطان والعنصرية، الخاضعة لسيطرة اليمين واليمين المتطرف، بمجتمعها الذي ينزاح على نحو منهجي ومنظم، تعطي الأولوية لابتلاع الأرض والحقوق والمقدسات الفلسطينية، على حساب الفلسطينيين أولاً، والأردنيين في طور لاحق.. هنا وهنا بالذات، يكمن مصدر القلق والتحسب.. هنا وهنا فقط، يتعين الاستعداد والتأهب لشتى الاحتمالات والسيناريوهات.
«تجهيل» مصدر الاستهداف أمرٌ مفهوم حين يصدر عن أفواه المواطنين، ولكنه غير مفهوم، وأحياناً غير بريء حين يصدر عن بعض المسؤولين العارفين، سابقين أو حاليين، وهو أمرٌ لا تضاهيه من حيث فداحته، سوى المبالغة التي لا معنى لها للقلق من بعض الأصوات النشاز على مواقع التواصل الاجتماعي التي تأتينا من حفنة من أردنيي الخارج، نعرف وتعرفون، بأنهم لا يتمتعون بالمصداقية والشعبية المثيرة للقلق والتحسب، حتى وإن حصدوا مزيداً من «اللايكات» على الفيسبوك.. علينا معالجة أسباب تعلق بعض الأردنيين بهذه الأصوات الناعقة، بدل أن نثير المخاوف من «استهداف الأردن». (الدستور)