الكتل النيابية .. المبادرة مثالاً
د.طلال طلب الشرفات
10-01-2019 07:37 PM
لم اقتنع يوماً أن الكتل النيابية يمكن أن تصنع أحزاباً سياسية اياً كان حجم تلك الكتلة، أو قوة أعضائها، وتأثيرهم المرحلي في الحياة السياسية، أو مدى توافقهم الآني؛ لسبب بسيط وهو أن الحياة السياسية الأردنية تعيش حالة من التحلل، والنكوص في القيم السياسية، والتقاليد البرلمانية، والحزبية في آن معاً، فالتنشئة السياسية الأردنية في العقود الثلاثة الأخيرة هي تنشئة ريعية مجتزأة تنطلق من إيمان جامح بالهوية الفرعية، كما أن الثقافة السياسية أضحت ثقافة نفعية تنطلق من المصلحة لا من التضحية، والمشاركة السياسية مشاركة لحظية لا تنطلق من تقاليد عريقة، أو منطلقات وطنية راسخة.
في عهد حكومة نادر الذهبي كان هناك كتلة التيار الوطني ويتزعمها عبدالهادي المجالي وهي كتلة حزبية تشكلت بعد الانتخابات، ولكن بالرغم من كونها كتلة حزبية، وتشكل أغلبية برلمانية في مجلس النواب إلا أنها كانت كتلة هلامية ككل الكتل النيابية؛ إذ كان يمكن لها وفقاً للتقاليد البرلمانية أن تشكل حكومة برلمانية باعتبار حزب التيار الوطني حزب الأغلبية النيابية آنذاك، لكن واقع الحال كان يشي بأربع، أو خمس حقائب وزارية تم توزيعها على بعض المقربين لرئيس التيار على عجل، ومن ضمنهم نجل رئيس التيار، بل أكثر من ذلك فقد مارست الإقصاء بشكل مؤذٍ للآخرين، وخاصة في انتخابات اللجان النيابية، والمكتب الدائم للمجلس.
الكتل الحزبية في الدول الديمقراطية الراشدة لا تنشأ بعد الانتخابات، والكتل النيابية التي تقوم على المصالح النفعية، والعلاقات الشخصية، ووشائج القربى، لن يكتب لها النجاح، والتطور، ولهذا لا يمكن في المدى المنظور تشكيل الكتل النيابية الفاعلة، ولا الأحزاب التي تعكس واقع القوى الشعبية؛ لأن تراجع المد القومي بعد سقوط بغداد، وشيطنة الأحزاب الدينية بعد الربيع العربي، وتحالف قادة اليسار مع الحكومات؛ لإقصاء الإسلاميين، ومشاركتهم في الحكم، وغياب مفهوم الإيمان بالعمل الجماعي، والحزبي لدى قيادات تيار الوسط. كلها عوامل أسهمت بتراجع العمل الحزبي، وانهيار فرص تشكيل حكومات برلمانية فاعلة وناضجة، وقادرة على اقناع القواعد الشعبية.
المبادرة النيابية كان لها برنامج واضح وخطط وجداول زمنية قابلة للتنفيذ وإرادة فاعلة، ولكنها كانت تقتقد للأنسجام الفكري والثقافي بين أعضائها، واستعجال بعضهم للوصول إلى السلطة، وطرح ملفات قضَّت مضاجع المحافظين، والوطنيين بشكل عام وهي تلك المتعلقة بالتجنيس، ومخاطر العبث بالهوية، وبعض المؤسسات السيادية، والتي يعتقد هؤلاء -وأنا منهم- أنها من مرتكزات الحفاظ على الكيان الوطني، والكينونة الأردنية باعتبارها ثوابت لا تقبل الأختبار.
في مجلس النواب الحالي لم يعد لمقاعد مجلس النواب من أعضاء كتلة المبادرة النيابية في المجلس السابق سوى إثنين هما: فيصل الأعور، ووفاء بني مصطفى، وثالث انسحب منها حال عودته، وهو خميس عطية وانضوى في كتلة أخرى، والملاحظ أن لقاء الكتلة قبل يومين بجلالة الملك كشف عن حالة من الاغتراب بين الطرح، وحقيقة القائمين عليها، فالمبادرة النابية لا احد يجيد التعبير عن برامجها، ومنطلقاتها المقلقة، والواضحة سوى منظرها الأوحد الدكتور مصطفى حمارنة. والحقيقة أنني وإن كنت اتفق مع معظم توجهات الكتلة الاقتصادية، والاجتماعية إلا أن ثمّة خلاف جوهري في الرؤى السياسية، وعدم وجود تمييز بين الوطنية، والمواطنة في الخصوصية الأردنية لوطن مستهدف بالإذابة، والتوطين لا قدر الله.
الكتل النيابية لا يمكن أن تكون أساساً لأحزاب سياسية؛ فنظرية وضع العربة أمام الحصان هي توصيف دقيق لمن يظن أن الكتل النيابية يمكن أن تكون منطلقاً للعمل الحزبي، والإرادة السياسية هي وحدها التي تهيئ الظروف لقيام الأحزاب السياسية والإيمان بثوابت العمل الحزبي القائم على قبول الآخر، وعدم احتكار الحقيقة، والاتفاق على الجوامع، والابتعاد عن كل عوامل الانتهازية السياسية التي تحبط العمل الوطني بكل صوره وأشكاله، وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء ....!!!