إن المتتبع للشأن الاقتصادي الأردني يدرك وبشكل جلي سعي المؤسسات الوطنية المعنية بتشجيع الاستثمار إلى ترويج المملكة كوجهة استثمارية استثنائية للمستثمرين، ولا شك في أن هناك مجموعة من النجاحات المتحققة على أرض الواقع في استقطاب استثمارات نوعية إلى المملكة، وفي ظل الظروف السياسية المحيطة والظروف الاقتصادية والاجتماعية الاستثنائية التي تعيشها المملكة ومع تبني الحكومة لأولوياتها للعامين القادمين بما يعرف بمشروع النهضة الوطني لا بد من الأخذ بالأسباب من أجل تشجيع الاستثمار وتحفيز الاقتصاد وصولا إلى دولة الإنتاج، ومن أهم المؤشرات التي تعتبر مرجعا لأي مستثمر أجنبي قبل أخذ القرار ببدء استثماره في دولة معينة هو نتائج تلك الدولة في تقرير سهولة ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن مجموعة البنك الدولي إذ يصنف التقرير دول العالم من حيث سهولة بدء وممارسة الأعمال ضمن عشرة محاور رئيسية تشمل: بدء النشاط التجاري، استخراج تراخيص البناء، الحصول على الكهرباء، تسجيل الملكية، الحصول على الائتمان، حماية المستثمرين الأقلية، دفع الضرائب، التجارة عبر الحدود، إنفاذ العقود، تسوية حالات الإعسار.
وقد جاء ترتيب المملكة في هذا التقرير للعام 2019 والذي صدر في العام 2018 بالمرتبة 104 من أصل 190 دولة شملها التقرير، إذ جاءت نيوزلندا في صدارة دول العالم في سهولة ممارسة أنشطة الأعمال، تلتها دولة سنغافورة، ومن المنطقي جدا أن تسعى دولة مثل نيوزلندا بحكم موقعها الجغرافي بأن تسهل ممارسة أنشطة الأعمال خصوصا للمستثمرين، كما هو أيضا واضح أهمية تسهيل نشاط الأعمال لدولة مثل سنغافورة والتي تعتبر مركزا ماليا وتجاريا عالميا في مساحة جغرافية صغيرة والذي يحد من توافر موارد طبيعية بشكل كبير تسهم في التركيبة الاقتصادية للدولة، عربيا يبرز نموذج دولة الامارات العربية المتحدة كأحد النماذج العالمية المتقدمة باحتلاله المرتبة 11 عالميا، وبالتمعن في تفاصيل التقرير فإن تنافسية المملكة تبدو متأخرة فيما يتعلق بمحاور تسوية حالات الإعسار 150 من أصل 190، استخراج تراخيص البناء 139، الحصول على الائتمان 134، بينما جاءت افضل المحاور تنافسية الحصول على الكهرباء 62، يليه محور تسجيل الملكية 72.
إن نتائج هذا التقرير في غاية الأهمية مع بدء الحكومة مشروع النهضة الوطني، حيث إن الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لا تتعلق فقط بمالية الحكومة ومعالجة العجز المزمن والذي قد يرافقه شح في الانفاق الرأسمالي، بل إن تحقيق التنافسية الاقتصادية يمكن الوصول اليه من خلال ممكنات واصلاحات تشريعية تستقطب المستثمرين الاجانب، وتشجع الأردنيين على بدء الاعمال وصولا إلى نتائج أفضل في سهولة ممارسة أنشطة الأعمال، وتشير بيانات البنك المركزي إلى أن الودائع لدى البنوك في المملكة وصلت الى 33.74 مليار دينار في تشرين ثاني من العام 2018.
إن الاصلاحات التشريعية المطلوبة والتي تهدف إلى تحسين بيئة الأعمال لا تتطلب قروضا إضافية أو إنفاقا رأسماليا، بل إنها تتطلب إرادة سياسية تتمثل بأخذ القرار بإعادة النظر في المئات من القوانين والانظمة والتعليمات التي ترتبط بمختلف الجهات الحكومية، والتي حين وضعت راعت بشكل رئيسي أولويات العمل للخروج بنتائج مثالية مرتبطة بعمل الجهة الحكومية التي ترتبط بها قوانينها وأنظمتها وتعليماتها، ولكن قد تكون النظرة الشمولية الكلية في اتساق التشريعات بين مختلف الجهات الحكومية وتكاملها فيما بينها للخروج بأفضل النتائج الاقتصادية التي تبني على الميز التنافسية للدولة وتواكب التطورات الدولية في اصدار القوانين الرشيقة غائبة في العديد منها، عدا عن صدور هذه التشريعات في حقب زمنية متباعدة اختلفت فيها الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة والذي انعكس على أرض الواقع في تعقيد الاجراءات المطبقة خصوصا فيما يتعلق بسهولة ممارسة أنشطة الأعمال.
هذا الجهد سيتطلب أيضا نظرة اقتصادية شمولية معلنة تحقق التوازن والاتساق التام بين مختلف السياسات الاقتصادية التي ستتبعها المملكة والتي تتضمن السياسة المالية والسياسة النقدية وسياسات سوق العمل، إذ ستحدد هذه السياسات الأولويات الاقتصادية الاسترشادية الواجب حضورها في أي من التشريعات التي لها اثار اقتصادية مباشرة وغير مباشرة في حال صدورها، مما يستوجب الاستعانة بمختصين في التشريعات يجمعون المعرفة الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى معرفتهم التشريعية. وحيث إن برنامج الحكومة للعامين القادمين قد اعتمد مؤشر تقدّم ترتيب الأردن في تقرير ممارسة الأعمال من المرتبة 104 في العام 2018 إلى المرتبة 90 على الأقل مع نهاية العام 2020 لكي يعرف المواطن مدى النجاح في تنفيذ هذه الأولوية فإن التنفيذ على أرض الواقع يتطلب الاسراع بالنظر في مختلف الاجراءات المتبعة حاليا والتشريعات المختلفة الناظمة لتلك الاجراءات.