نحن الوحيدون في العالم الذين نمارس الهدم والخراب عن سابق إصرار ، هدموا معسكرات العبدلي والقيادة العامة ، ومحت الجرافات تاريخ وإرث قيادة الجيش وبنوا أبراجا وفنادقا ونوادي ليلية مكانها ، لأن في لغة الإقتصاد والبزنس كل شيء مباح ولا مساحة للذكريات الوطنية ، والبيع والخصصة ومشاريع الوهم هو عنوان إستثمار الفشل ، هل يعرفوا عرابين النيوليبرالية تاريخ العبدلي ، وكيف كانت تصدر الأوامر من هنا ، هل يعرفون حابس المجالي وزيد بن شاكر ومشهور حديثة وفتحي أبوطالب ، هم قرأوا كل شيء في هارفرد إلا هذا التاريخ وهذه الأسماء ويا ليتهم فلحوا .
عرابوا الهدم والخراب في بلادنا مارسوا هوايتهم في معسكرات الزرقاء ، كيف بُلعت الأراضي وتبخرت أحلام "السكن الكريم " ، كيف تقف آلآف الشقق الفارغة ، وكيف بنيت الفلل لمتنفذين مكان ميادين التدريب وكراجات الدبابات ...
وقفتُ ذات مرة على بناء هدم ، فيه حجر محفور عليه "كتيبة المدرعات الأولى " ، أوجعني أن الذين يمرون على هذه الحجارة لا يعرفون دم الشهداء ولم يلمسوا عرق العسكر عندما إستندوا ذات صباح على حيطانها فأسندوا الوطن عندما نادهم .
سياسة الهدم والخراب والبيع في بلادنا مستمرة ، حتى صوامع العقبة التي ظلت شامخة مدار نصف قرن ، تستقبل كل القمح والحبوب ، طالها البيع مع الميناء ، حاولوا ردمها لأنها علامة على فشل الدولة التي لا تتقن إلا البيع والديون والقروض والشحدة والجباية .
ثمة من يمارس الهدم والخراب في بلادنا ، في التعليم والمدارس والجامعات ، وفي الإعلام والثقافة ، وفي التعيين والإختيار في المناصب العامة .
ثمة وجع في بلادنا لا يقاس بالإستطلاعات وورش الحكومة ، ثمة من يحارب كل أمل وتفاؤل ، يهدمون أحلامنا ويبيعون إرث الوطن ويقامرون بمستقبلنا ، ولا نحصد إلا الكلام والوهم والثرثرة والمزيد من الفساد .