انتخابات غرف التجارة والشهبندر المنتظر
د.مهند مبيضين
10-01-2019 12:13 AM
تستعد الغرف التجارية في الوطن لانتخاباتها المقبلة يوم بعد غد السبت، ولأول مرة نشهد هذا الزخم الإعلامي والدعاية وتعدد الكتل المرشحة، وربما تكون غرفة تجارة عمان الأكثر انفاقاً على الدعاية والسيطرة على المشهد البصري، وفي بقية المحافظات هناك مشهد انتخابي محلي ايضا، ويتنافس في مجملة ست عشرة غرفة تجارية منتشرة في مختلف مدن المملكة، وتديره الهيئة المستقلة للانتخابات والتي كونت خبرة وتدريباً كبيراً منذ تأسيسها وحتى اليوم.
اليوم يستعيد التجار مظهر الاحساس بقوتهم في المجتمع والدولة، وهم قوة لا يستهان بها، ولها حساباتها واجندتها ولهم حضورهم، بعضهم من الشباب وبعضهم من أهل الخبرة وآخرين من التكوينات القديمة المستمرة في اجيال أسرية عائلية وُجدت في السوق الأردني منذ قيام الدولة، وهم يشكلون مجتمعين بنية متماسكة أمام مصالحهم ومصادر تهديد الكسب والنفوذ وكأنهم طائفة مغلقة.
فلا يحكم التجار البازار وحسب، بل هم قوة سياسية واجتماعية وثقافية أيضاً، ويلاحظ في انتخابات الدورة الحالية الاهتمام بتقنيات الإعلان وبث لرسائل، والعناية في تشكيل الكتل بما يؤثر في الخزان الصوتي وسلوك الناخب.
في عمان حيث التأثير والتنافس أكبر، هناك ثلاث كتل تتنافس، يرأس كل كتلة تاجر وارث للحرفة والخبرة، وتهدف هذه الكتل لرعاية مصالح التجار في زمن أردني اقتصادي صعب يعاني منه القطاع التجاري بفعل ركود الحركة التجارية وظروف السوق المختلفة، وهذه المهام للحرف والصناعات ونقبائها موروثة من زمن مديد كان فيه نقيب التجاروالحرف والصناعات يعد من أهم الشخصيات في المدينة العربية الإسلامية، وكان شهبندر التجار في المدن التاريخية من أركان الحكم المحلي، ولا يعقد الولاة أمراً إلا بالترتيب معه.
في العصر العثماني طرأ تحول كبير حيث تغلغلت الطرق الصوفية في السوق، وصار التاجر في دمشق يضع اسمه على باب المحل ومعه اسم الطريقة الصوفية التي ينتمي لها، فيكتب السمان القادري او الطحان النقشبندي، وهكذا ألقت الطرق الصوفية باخلاقياتها وتدينها ظلالها على الطرق الصوفية من حيث الصدق والأمانة والإخلاص للحرفة والحفاظ على أسرار الصنعة كما ان حفلة الترقية من اجير إلى صانع إلى معلم إلى شيخ كار كانت ذات تقاليد صوفية.
اليوم الشهبندر هو رئيس غرفة التجارة في كل مدينة، وأحياناً كان في السوق كما في مدينة صنعاء قادة يسمون عُقال السوق وهم الذين يضبطون البيوع ويحلون المشكلات، واليوم في أسواقنا الاردنية هناك غرف تجارية ومشاريع زعامات تجارية وهم مقدرون لصبرهم بالرغم من ثرواتهم المستحقة، وهؤلاء عادة من يكونون اصحاب تأثير في المجتمع، وفي الحقيقة فإن الصمود والبقاء في السوق الأردني يحسب للتجار وذلك لطبيعة الظروف الاقتصادية وتقلب الأحوال وتغير الحكومات والقرارات وارتفاع الضرائب. ولم يحدث أن تولى رئاسة غرفة تجارة في اي مدينة تاجر حديث العهد او مُحدث نعمة، إنما يحتاج الأمر إلى وقت كي يعرفه رفاق الحرفة والسوق ويحظى بالثقة والاحترام فينتخبونه، فلننتظر أيهم يكون الشهبندر.
الدستور