في رحاب الموازنة العامه (4) الدين العام
د. عادل يعقوب الشمايله
09-01-2019 08:44 AM
يعتقدُ معظمُ الناس، ومن بينهم الحراكيون، أن المسؤولَ عن، مصيبة الدين العام في الاردن هو، المنظمتان الدوليتان: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومن اجل بيان الحقيقة، أُورد فيما يلي تفاصيلَ الدين العام الخارجي بما فيه المكفول حسب مصادره الرئيسية.
يتضحُ من الارقام المبينة في الجدول أدناه، أن نسبة قروضِ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مجتمعين الى اجمالي القروض هي 18.7% فقط. والباقي تأتت من حكومات ومؤسسات عربية وبعض الدول والبنوك الاوروبية.
ومن الجديرِ بالعلمِ أن الدين العام الداخلي يَتجاوزُ الدين العام الخارجي. إذ بلغ عام 2017 حوالي 13,569,000 دينار، في حين أن وصل الدين العام الخارجي للعام نفسه الى11,867,155 دينار.
إن من المهمِ معرفةُ، أن دور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يتجاوزُ في أهميته ما يقدمانه من قروض. دورهما هو إدارةُ القراراتِ المالية والاقتصادية للدولة لضمانِ تمكين الدولة من توزيع ما يتوفر لديها من عُملة صعبة، ما بين تمويلِ المستوردات سواءا الاستهلاكية أم التي تستخدمُ في الاستثمار، وما بين سداد الديون الخارجية، والا تعرضت عُملةُ الدولة للنهيار، واحتمالُ اعلانِ إفلاس الدولة. ونظرا لان كمية العُملة الصعبة في الاردن محدودةُ المصادرِ والكمية، فإنه لا بد من السيطرة على الاستهلاك لتقليل المستوردات. وهذا يتطلب سياسة انكماشية تُخفضُ الطلبَ سواءا على السلع الاستهلاكية والمُعمرة.
حُضورُ الصندوق والبنك الدوليين للبلدان ليس قدرا مقدورا، اذ تستطيعُ أيُ حكومة رشيدةٍ وطنيةِ الهوى، أن تُدير امورها المالية بنفسها، اذا تعالت على مبدأ الشللية والفساد، واختارت فريق عمل مستنير ومقتدر. ولكن بغياب هذه الارادة، فإن دورَ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يُصبحُ حتميا لمنعِ الدولة من الافلاس. هناكَ غضبٌ في مُعظمِ الدول النامية على الصندوق والبنك. إنهما متهمان بأن برامجهما الاصلاحية لم تنجح ولم تأت بخير، بل بالعكس أضرت بالنمو الاقتصادي بسبب السياسة الانكماشية، وأضرت بالفقراء والطبقة المتوسطة بسبب ارتفاع الضرائب وبالتالي ارتفاع الاسعار وارتفاع نسبة البطالة. في رأيي الشخصي، أن التُهمة لها ما يبررها، وهما شريكان للحكومات في الفشل، واحيانا يتستران على فشلهما بتبنى ارقام الحكومات المفبركة. علينا أن لا ننسى أن الحكومات السفيهة اداريا وماليات تكون عنيدة كما المريض الذي يرفض التقيد باوامر الطبيب.
إن السبب في فشل البنك والصندوق الدوليان، ليس بالضرورة راجعٌ الى انهما يتأمران على الدول النامية. حتى ولو كانت نيةُ التأمر موجودة، فاين عينُ الحكومةِ وعقلها. سبب الفشل في تقييمي يرجعُ الى عدم كفاءة من يُسمونهم خبراءُ البنك وخبراءُ الصندوق. أنهم ليسوا خبراء حقيقيين. وقد اثبتت تجارب الدول خلال العشرين سنة الماضية، أنهم يتميزون بضيق الافق ومحدودية الخيارات، وانهم ينتمون جميعا الى مدرسة الاقتصاد الكلي ولا يفقهون شيئا في العلم الشقيق، علم المالية العامة. كما أن المختصين الحقيقين في علم المالية العامة في الاردن ندرة، ولا احد منهم في الفريق الاقتصادي ليقودوا الدفة بالاتجاه الصحيح.
هناك هيمنةُ تاريخيةٌ على الفريقِ الاقتصادي من إقتصادي "الاقتصاد الكلي" ومن خارج علم الاقتصاد. هناك مُدعونَ كُثر في هذا المجال وبعضُهم يصل إدعاءه الى المزاحمة على تدريسِ علم المالية العامة في الجامعات، مع ان معرفتهم به لا تزيد عن معرفة العجائز بالطب الحديث، ومعرفة مختصي الجيولوجيا بالفلك. مُعظمهم متخصصون في ادارة الموارد البشرية، او السلوك الاداري وبعضهم في الفيزياء او الهندسة وقلةٌ منهم متخصصون في الاقتصاد الكلي. في الجملةِ هم شركاءُ في الجهل ولا يستطيعون تقديم حتى وصفة مُسَكنٍ لامراض المالية العامة التي يعاني منها الاردن، شأنه شأن بقية الدول النامية، فكيف باجراء عملية جراحية كبرى يحتاجها اقتصادنا. هؤلاء يصرون على انها عنزة ولو طارت على مرأى من الجموع. في النهاية ، أرجو من اصحاب القرار أن يتيقنوا أنه لا أمل أمام فريق خبراء الصندوق والبنك الدوليين ومعهم والفريق الغير اقتصادي الحكومي، الا باستخدام علم المالية العامة.