لا تكاد تمر أيام معدودة دون الإفاقة على خبر او إشاعة كاذبة وتساعد وسائل الاتصال الالكترونية في ايصالها لملايين من الناس المترقبين للأخبار المثيرة، ويتفاوت تأثيرها حسب طبيعة المتلقي ومدى علاقة الخبر بالجو المخيّم على الشأن العام، وقد تنتهي الشائعة بتكذيبها من مرجعية مختصة وذات مصداقية، ولكن بعضها يكون له وقع مدوٍ ؛ نظراً لحجم البلبلة والإحباط التي عايشنا العديد منها وتبيّن زيفها مع مرور الأيام، ومثالها خبر الأيام الماضية بخصوص هروب عدد من المستثمرين وكبار التجار او إفلاسهم والحجز عليهم.
والسؤال المطروح هو : من لديه الوقت والاهتمام لتقصي الواقع الحقيقي لتجارة هؤلاء الموصومين بالإفلاس او الهرب من البلد؟ هل هو الوضع الاقتصادي المتردي فعلاً؟ ام ان هناك سوء نية مع سبق الإصرار والترصد لتنفيرالمستثمرين وبث الإحباط واليأس؟ فعندما ندعي ان مجرد مغادرة مستثمر الى الخارج للعلاج او في زيارة عمل بأنه هرب، أو الادعاء ان مديراً نقل عدداً من الأسهم في بنك يحقق ارباحاً بالملايين غادر البلاد الى غير رجعة، أو عندما نذكر أن هناك محلات تملك سلسلة فروع تستعد لفتح أخرى بانها وقعت فريسة الإفلاس، فإننا نوجه ضربة للقطاع التجاري الذي يعاني أصلاً نوعاً من الكساد ولكنه يثابر ويراهن على النصف المملوء من الكأس.
لا ننكر ان الأحوال الاقتصادية لكثير من التجار محبطة ويعانون من زيادة التكلفة في نفقات الإنتاج ومن الضرائب والرسوم وكل ما يدفعونه لتسليك شؤون تجارتهم المتعثرة، ولا ننكر ان الناس تعيش ظروفاً صعبة نظرا لتدني مستوى الأجور وانتشار الفقر والبطالة وتراجع وتيرة الاستهلاك، كل ذلك واقع يجب الإقرار به، ويعكس الأحوال الاقتصادية السائدة على مستوى المنطقة او الإقليم ولكن الإغراق بتشخيص هذا الواقع الصعب، لا يكون في شطحة افتراضية لخيال مارق وغارق في الملل والخمول التي أصبحت وقوداً لخلق الشائعات وترويجها، فهؤلاء لا يجدون ما يبدعون به إلا تأليف أخبار كاذبة وإشاعة مغرضة من شأنها تشويه الصورة ووضع العصي في الدواليب، وعرقلة للجهود التي تبذلها أو تعد بها الحكومة للخروج من عنق الزجاجة الاقتصادية .
جدلية عقلية المؤامرة التي يتمسك بها العربي بشكل عام - وتكون في اغلب الأحوال غير صحيحة -لا ينفي وجودها عندما نقرأ «مذكرات قاتل اقتصادي» – للأميركي بيركنز، نشعر ان هاجس المؤامرة سواء كانت داخلية ام مخطط لها من الخارج يجب ان يبقى في حيز تفكيرنا وشكوكنا المشروعة، لا سيما ان مروجي هذه الاشاعات يتكاثرون يوماً بعد يوم، ويطورون منتجاتهم المزيفة وكأنهم يدفعون البلاد الى حالة من الفوضى والبلبلة، والترقب المحبط، والذي قد تتأثر به قطاعات واسعة من المستثمرين الأجانب المقيمين، وغيرهم الذين قد يفكرون بالقدوم الى الأردن.
امام هجمة متواصلة لبث الشائعات المنشورة ذات السميّة العالية والضارة ضرراً محضاً، فإننا لا نستبعد انها منظمة ومقصودة ولديها ما تخفيه، وأن هدفها ليس اكثر من التأثير على معنويات الناس وإفشال الجهود والاجتهادات للخروج من نفق الأزمة، ونعتقد انه لا يكفي تكذيبها كما فعلت بعض المحطات التلفزيونية في الأردن مشكورة، بل لا بد من نوع من المساءلة والتحقيق عن المبادر الأول أو الرأس المدبر لبثها والتشويش على الفضاء العام والخاص، لأن عدم المساءلة يزيد من لهيب وأثر الشائعة ويخلق الشك حول زيفها ويعزز هدفها المخفي في زيادة منسوب الإحباط والنقمة لدى الناس.
الراي