في أي حدث يتعلق بادارة علاقة الدولة مع الناس لايجوز ان نغرق في رفض اوقبول التعامل الاجرائي بل لابد ان نتوقف عند العقل السياسي الذي يدير أي قضية او ازمة , ولهذا فان أي حديث عن احداث اعتصام موظفي الموانىء يجب ان لايتجاوز الجوهر وهو الادارة السياسية للحدث وليس تعامل رجل امن تنفيذي ينفذ ما تخرج به الرؤية والتفكير السياسي للحكومة.
والموانىء قصة خاصة يعلمها رئيس الحكومة المسؤول الاول والاخير عما جرى , وكان ايضا مسؤولا بذات المكانة عن ايجاد حل عادل وحقيقي لهذه القضية قبل ان تتحول الى قضية تشوه وجه الاردن وتسيء الى صورته.
والموانىء مؤسسة حمل مسارها الطويل وساهم في انجازها موظفون هم من ابناء كل المحافظات لكن معظمهم من محافظات الجنوب , واصحاب القضية عمال وموظفين لم يصلهم شيء من نعم العقبة الخاصة وبخاصة على صعيد الرواتب , وهم موظفون بموجب انظمة شاهدوا القفزات الكبرى في الرواتب حتى لمن يمارسون مهنا قريبة منهم لكنهم من المفوضية او اخواتها .
والموانىء مؤسسة وطنية موظفوها من طبقة الفقراء والدخل المحدود ومهما طالبوا فان المحصلة ان العقل السياسي الناجح في الحكومة كان يمكن ان يستوعب الامر ويمتص القضية.
الخطورة الكبيرة التي "نجحت" الحكومة (!!) في تحقيقها انها تفتح الباب لمواجهات بين فقراء الاردنيين والجهات الرسمية , وهؤلاء مهما كانت مطالبهم تكلف الدولة فهم من اصول الدولة واصحاب دخول متوسطة , وكانت ادارة القضية امتحانا خطيرا لقدرة العقل السياسي في الحكومة على التعامل مع مواطنين وصغار موظفين وعمال .
وعلينا ان لاننسى ان الحكومة يوم الاربعاء استقبلت وفدا من اهلي الطيبة الجنوبية جاءوا لزيارة الحكومة بعد ان لم تذهب اليهم , وجاءوا ليشكوا عطشهم وانقطاع المياه شهورا طويلة , وبعد هذا بيوم لم تستطع الحكومة ان تجيد عبر ادارة سياسية ملفا عاديا ومطالب عمالية حتى دفعها هذا العجز الى اللجوء الى رجال الامن .
الذي واجه الناس ليس الشرطة بل الضعف في ادارة القضية سياسيا ومنع تحولها من قضية عمالية الى ملف يتحدث به العالم وقتلى وجرحى ومعتقلين , والاخطر ايها السادة ان الحكومة تواجه طبقة فقيرة وعادية وليست لها أي ملفات او مطالب سياسية , وما بين ملف اهل الطيبة الجنوبية وعمال الموانىء الحقت الحكومة بنا جميعا خسارة سياسية وصنعت قضية كان من السهل حلها وادارتها دون كل هذه الخسائر السياسية .
هنالك تفاصيل كثيرة في السجال بين العمال والمحافظ والموانىء , لكنني ساتجاوز هذا الى جوهر الامر وهو قدرة الحكومة على ادارة الازمات ومنع تحول القضايا الخدماتية الى قضايا كبرى وازمات وبخسائر كبرى , فما فائدة الخبرة والصلاحيات السياسية اذا كانت قضايا مطلبية تتحول الى ازمات , فالحكومة وقدرتها على ادارة الامور هي التي لم تنجح في الاختبار وهي الهدف الاول في أي نقاش وفي تحمل مسؤولية ما جرى سياسيا .