facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




انت وين عايش؟


سليمان الطعاني
07-01-2019 01:34 PM

حينما تتمكن الرشوة من مفاصل مؤسساتنا، فإنها تصبح قانونًا فوق القانون، وسلطة فوق السلطة، بل تتحول إلى ثقافة عامة فلا تتم معاملة إلا بها، ولا تعقد صفقة صغيرة أو كبيرة إلا والنسبة معلومة، والهدية محفوظة، والكوميشن محسوب، وكل الأطراف تعرف ما لها وما عليها!

بل تتحول الرشوة إلى ممارسة طبيعية يعيشها حتى الموطن النظيف المحترم الذي يكره الفساد ويمقت الانحراف، حين يضطر إلى انجاز معاملاته بهذه الطريقة راضيًا أو مكرهًا، فالأدراج مفتوحة ولغة الرشوة مفهومة، والنِّسب محددة، ومخلّصيّ المعاملات جاهزون وهم يعرفون كيف يُنهون المعاملات ويعرفون من يملك تعطيلها.. ويعرفون لمن تُدفع الرشاوي، واللي مش عاجبه يشرب ماء البحر، مع الأسف نُعيبُ زماننا والعيبُ فينا، وما لزماننا عيبٌ سوانا!

أيام زمان كانت “الرشوة” عيباً وحراماً، وسلوكاً يوصف بالجرأة والوقاحة وقلة الأدب، وعدم التقدير للآخرين، ودليلاً على غياب الاحترام، أيام زمان كان الناس يأنفون من التعامل مع السمسار ولا يقتربون منه ولا يأخذون منه ولا يعطونه! ذلك لأنه معتاد على حلف الأيمان الكاذبة للتدليس على الناس وخداعهم وأخذ ما بأيديهم بغير وجه حق، أيام زمان كان المسؤولون في الدولة إذا عُرِضَتْ على أحدهم الرشوة مهما كان قيمتها فانه يرفضها بإباء وشمم وبدون أدنى تردد معتبراً ذلك إهانة تمس كرامته وتجرح شعوره وتدمي عواطفه مهما فتنه العرض ومهما استمالته الغواية، أما الآن وقد ذهب ماء الوجه عند الكثيرين وتصلّبت وجوههم فقد أصبحت الرشوة تُطلب أمام الناس بلا تردد أو خوف أو حياء، وأصبحنا نسمعها على كل لسان وفي كل مكان صبحاً ومساء، وأصبح صداها يتردد في معظم المؤسسات والدوائر والمكاتب بشكل يدعو الى الإحباط واليأس على ما آلت اليه الأمور من خراب في القيم ودمار في الأخلاق!

هذا وسيط يأخذ، وذاك سمسار يهبش وينهش، وهذا يمشي بالمعاملة أو يختمها من عطوفة فلان بالموافقة مخالفاً بذلك القوانين والتعليمات ويأخذ عليها ويتقاسم مع عطوفته لقمة الزقوم، شبكة مشبوهة من العلاقات إنه بزنس يديره فاسدون يعملون بإدارة الرشوة وثقافتها في مؤسسات الدولة الأردنية تحت شعار ادفع من اجل انجاز معاملتك مهما كانت! رشوة مشرعنة اجتماعيا وثقافياً.. مبالغ مالية او عينية هدايا وشيكات تدفع لإضفاء الشرعية على ما هو ليس شرعي أو قانوني....
ودون مبرر قانوني واضح ولا أدنى مستوى أخلاقي بلغ الأمر بالمرتشي إلى أن يجادل في مقدار الرِّشوة، جهاراً نهاراً بلا حياء ولا خجل بطريقة فجّة تنبئ عن فقر شديد في النفس والاخلاق ضاعت معها كرامة هذا الانسان وأهدرت معها حقوق العباد!

الأمر أصبح شائعا ومعروفاً هنا في معظم مؤسساتنا ودوائرنا الحكومية فاحت رائحته النتنة ولا يمكن السكوت عنه، يقول لي أحد الأصدقاء: انت وين عايش البلد كلها هيك؟ انت لا يمكنك الحصول على حقك ما لم تدفع الى كل من يعنيه أمر معاملتك! وتدس المال في جيب كل موظف يسهم في تسهيل وتسريع انجاز معاملتك!

وبعد، فإن الموظف المرتشي يقبض من يد ثانية غير الجهة التي تشغّله وتمده براتب مقابل خدماته، وهذا في حد ذاته كاف لطرح مجموعة من الأسئلة البديهية والبسيطة: مقابل ماذا تقبض هذا المبلغ؟ من خوّل لك ذلك؟ وماذا لو لم يتم مدك بهذا المبلغ، هل سيحصل هذا المواطن على هذه الخدمة؟

قد يبرر المرتشي فعلته هذه بالقول إن هذا الأمر قد تم بمنتهى الرضاء ولكن الراشي كان مجبرا على الدفع تحت تهديد إيقاف معاملته أو تأخيرها ربما لشهور أو سنوات.. . وقد يبرر المرتشي أيضا فعلته هذه، بأن المبلغ الذي وصله كان على شكل هدية للأولاد، ولكن الهدايا لا تعطى ونحن مرغمون أو تحت التهديد أو بمقابل خدمة ما سيما وان هدايا الرشوات أصبحت مما خفّ حملُه وغلا ثمنه، مثل مفتاح سيارة أو مفتاح شقة.

"ما ورد أعلاه ملاحظة من مواطن غيور على بلده كجميع الغيارى يطمح إلى أن يرى الوطن نظيفاً من المرتشين وفي أجمل صوره وأرقى مستوياته" باعتبار الرشوة ناقوس خطر يدق أبواب حياتنا وتفتك بمجتمعنا الأردني المحافظ المسالم، وليست لها أي مبررات منطقية سوى سيطرة المادة الجشعة وهبوط مستوى الاخلاق عند الناس.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :