الولاية العامة .. كي لا يستمر اجترار المصطلح .. !!
د.طلال طلب الشرفات
07-01-2019 12:01 PM
اعتدنا في الحياة السياسية الأردنية على مصطلحات كبيرة تملأ حيزاً كبيراً من فراغ العاطفة السياسية المتخمة بمنطلقات القفز اللحظي على المواقف، والأشخاص وقد يرافقها لهاث لا ينقطع من أجل تكريس الاتهاميّة السياسية رغم جمال هذه المفاهيم، وتلك المصطلحات عندما تستخدم في وقتها، وبضمير النقاء الوطني؛ بعيداً عن محاولات اقتناص اللحظة، وانتهاز الظرف وبمعانيها الحقيقية البعيدة عن التفسيرات التي تتجاوز المعاني، ومن تلك المصطلحات الولاية العامة، وحكومة الإنقاذ الوطني، والمواطنة، والملكيّة الدستورية وغيرهن كثير.
الولاية العامة كمصطلح أضحت "قميص عثمان" في الاجتهادات المرتبكة دون إدراك من الكثيرين لمعانيها اللغوية، ومراميها الدستورية، فالسلطة التنفيذية وفقاً لأحكام المادة (26) من الدستور تناط بالملك وهو وحده الذي يجسد مفهوم الولاية العامة في الدستور؛ لكنه يتولاها بواسطة وزرائه. وهذا لا يعني بإن الملك لا يحكم وإنَّما يُمارس صلاحياته من خلال وزراءه مما يجعل من الوزراء الذين لا يروق لهم التوجه الملكي أن يستقيلوا دون ان يستطيع أحد منعهم من ذلك.
وبعض القول بأن إدارة مجلس الوزراء لكل شؤون الدولة الداخلية، والخارجية بشكل مطلق إنّما هو امتثال لأحكام المادة (45) من الدستور؛ قول يجافي الحقيقة، والمنطق، والتفسير القانوني السليم؛ لأن النص الدستوري أجاز أن يعهد لهيئات أخرى مهام في الشؤون الداخلية، والخارجية استناداً لأحكام دستورية، وقانونية كما جاء بشكل جلّي في عجز الفقرة الأولى من المادة (45) من الدستور.
ومن ناحية أخرى جاء في الفقرة الثانية من المادة (45) بأنه تعين صلاحيات الوزراء، ورئيس الوزراء، ومجلس الوزراء بتشريع يصدر لهذه الغاية، وهذا يعني: أن صلاحيات جلالة الملك في إدارة شؤون الدولة مطلقة من ناحية فلسفة النص الدستوري ومعناه، أما مجلس الوزراء فمقيّدة بأحكام الفقرة (2) من المادة (45) من جهة، وبما قد يعهد به لجهة، أو هيئة، أو شخص؛ وفقاً لأحكام الفقرة (1) من المادة (45) من الدستور من جهة ثانية، وبصدور الإرادة الملكية على الكثير من القرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء من جهة ثالثة.
هذا من حيث التأصيل الدستوري لمفهوم الولاية العامة، أمّا من حيث الممارسة الفعلية؛ فإن حكومة الرزاز قد قطعت شوطاً كبيراً وبرغبة ملكية خالصة في إعطائها مساحة واسعة لحرية قرارها الاقتصادي، والسياسي والتي يمكن تسميتها "جزافاً" بالولاية العامة، فالرئيس اختار فريقه الوزاري بملء الحرية، وحاور الحراك، والنقابات بطريقته، ووفق قناعاته، وقدّم مشروعاً للعفو العام كما أراد، ووعد، وقدم تعديلات، وتشريعات كما اشتهى وخطط. مما يمكن معه القول أن الأفق الذي حصلت عليه حكومة الرزاز في إدارة شؤون الدولة لم تحصل عليه حكومة أخرى منذ حكومة عبدالكريم الكباريتي في منتصف تسعينات القرن الماضي.
الرئيس الرزاز استطاع بأدبه الجمّ وهدوءه المميز أن يعبر بقراراته إلى المساحات التي لامست قناعاته، وإيمانه في متطلبات النهوض بالشأن العام. وثّمة عناوين كبيرة ما زالت تنتظر قرارات قادمة، وهو الذي لم يغضبه أمر منذ تصدّيه للعمل العام كما أغضبه وجرحه اتهامه العشوائي بأنه يرعى الفساد رغم إدراكه بأن هذا القول لم يلق صدى من أحد....!!