في صوته القريب من روح جسدي لاحقني بصوته العنيف محدثا كياني الهوائي، بكلمة واحدة لاغيرها :تعالي تعالي ! نقشها في ذاكرتي حتى اصبحت كالصلاة اتلوها في كل نفس وفي كل رمشة عين، فلا اغفل ابدا بالبحث عن هذا النداء الذي يؤرق نومي الخفيف .
ذهبت فبحثت ،ولكن وجدت ان ذهابي كبقائي دون ادنى فائدة ، فالصوت ظل يلاطم الجدران وانا كالغريقة بين ثنايا هذه الجدران، لا فائدة في اللقاء ولكن لا احد يستطيع ايقافي، فذلك الصوت اجبرني على ايجاد المجهول وايجاد نفسي التائهة في هذه الحياة السخية بالمهازل البشرية، وبعد فترة من الزمان حددها القدر الذي نمتطيه في كل مكان وجدت صاحب الصوت ووجدت نفسي في ذات الزمان والمكان فكلانا احتضن اللاوجود الذي نعيشه لنلتقي في وجود جديد نصنعه بكل فخر وامتنان ،ومن هنا بدأ الحوار بين قطبين لاذا بالفرار من هذه الحياة.
فقلت له بعد ان تاهت العبرات و صمتت العبارات :ها انا توجهت لك بعد ان هزني نداؤك المتواصل كالزلزال ، فلم اغفو للحظة وانا ابحث عنك في اروقة ذاتي وتنهداتي فكلمتك المعهودة اثارت في نفسي الدخان وخنقتني بلا ترجل ،كلمتك الخماسية هددت استقراري ونزعت الدفء من ذاكرتي ، تعالي تعالي تعالي كلمة ليست كالكلمات ،ضحك ثم ضحك حتى اصابني بشعور لم اشعر به منذ ان تنشقت غبار هذه الارض وقلت له بصوت متقطع :ما بالك تناشدني ثم تتوغل في تجاهلك لي !قال لي : انت لم تعتادي اللعب في مفرداتك التي تنطقينها! ،فانا لم اناديك في اي لحظة مضت ولكن انت من تحتاجين فعلا الى المناداة ، طوال هذه الحياة وانا استنكر على نفسي ان اجمع صوتي مع اي فرد كان، ففي هذه الغابة لا معنى للجمع والمناداة .
قلت له مستنكرة: ما الذي تريده ؟ اعاد الكرة وكأننا بدأنا من الصفر مكررا عبارته الشهيرة تعالي تعالي .
ولكن في هذه المرة لم اذهب ولم اتوغل في البحث عن تلك الشخصية المجهولة ،فقد تبين لي بعد تلك اللحظة بانني ابحث عن ذاتي المفقودة بين ثنايا الحاضر المرير فتعالي كلمة ليست للنداء بل للتعالي عن هذا الواقع وفصوله المتقلبة ،ومن هنا بدأت استنكر المناداة والجمع وبرهنت لي الحياة بانها ليست جديرة دوما للوقوف على جزيئاتها التي لا تمنحنا السعادة التي نبغاها ، تعالوا تعالي تعالوا تعالي الى من اراد العيش بسلام على هذه الارض التي وجدت من اجلنا .