في رحاب الموازنة (3) نفقات الجهاز المدني
د. عادل يعقوب الشمايله
06-01-2019 10:25 AM
في هذا المقالِ سأسلطُ الضوءَ على الزياداتِ في المخصصاتِ المُقدرةِ للجهاز الحكومي المدني لعام 2019 بالمقارنة مع الانفاق الفعلي لعام 2017 وإعادة التقديرِ لعام 2018. مَرجعيةُ الارقامِ هيَ مَشروعُ قانونِ الموازنة لعام 2019 الذي قدمتهُ الحكومةُ لمجلسِ نُوابها من المقاولين والقبليين والرابحين في بورصة الانتخابات. للاسف فإن إعداد الموازنة لا زال يعتمدُ منهجَ مُوازنة البنود العتيقة الخالية من التعليل التي تصلح للبقالات، بالرغم من كل ما بذله الخبراءُ الاجانبُ لاعتماد منهج الموازنة الموجهة بالنتائجِ التي تُساعدُ على كشف التقصير والفساد. هذا مؤشر واضح على العقم المسبب للتخلف الحضاري او الناتج عنه.
1- أُعيدَ تقديرُ تَعويضاتِ العاملينَ ومُساهماتِ الضمان الاجتماعي لعام 2018 بمبلغ 1,424,602,000دينار بارتفاعٍ قدرهُ 39 مليون دينار تقريباً عما أُنفقَ فعلا عام 2017 اي بزيادة 2% فقط. في حين قُدِرت المُخصصاتُ لعام 2019 بمبلغ 1,602,070,000 دينار. أي بزيادةٍ قدرها 178 مليون دينار أو ما نسبتهُ 12.5% عن عام 2018.
2- لم يُبينْ مشروعُ قانونِ الموازنةِ مُبرراتِ الزيادة. لذلك سأجتهدُ في تقديم التبرير. اذا خصمنا من نسبة الزيادة لعام 2019 البالغة 12.5% نسبة الزيادة لعام 2018 عن 2017 البالغة 2% يتبقى زيادةٌ صافيةٌ قدرها 10%. هنالك إحتمالان لهذه الزيادة. الاحتمالُ الاولُ هو أنّ لدى الحكومةِ نيةُ تخصيصها لزيادة الرواتب الاجمالية للموظفين والمتقاعدين بنسبة 10% . هذا الاحتمالُ يُمكنُ تَحققهُ في حالة أن كانتِ الحكومةُ رشيدة. الاحتمالُ الثاني، أن الارتفاع مُتعَمَدٌ لتضخيمِ النفقاتِ الحكوميةِ بِهدفِ زيادةِ العجزِ الظاهرِ "المُختَلقِ" في الموازنة العامة. اذ يُشكلُ مبلغُ الزيادةِ في المخصصات 27.5% من العجز . ونظراً لأنهُ، من عادة الحكومة استخدامُ عَجزِ الموازنةِ كَمُبررٍ لزيادة أعباءِ الضرائب المباشرة وغير المباشرة على المواطنين، لذلك فإن على المواطنين توقعُ الاسوأ. وفي كلِ الاحوالِ، فإن هذا التضخيم في الارقام يُخالفُ مَبدأ الشفافية الذي هو من أهم مبادئ الموازنة العامةِ، وبالتالي فهو يُمَثلُ عَمليةَ غِشٍ أو تَحايلٍ على الشعب، ما كانت لِتَمرَ لو أنّ الشعبَ إنتخب مُمثليهِ الحقيقينَ في مجلس النواب بدلا من بيعِ أصواتهِ، أو تغليبِ منطقِ العشائريةِ التي لا يستفيدُ منها عادة الا النائبُ وعائلته. هذا جزاءُ الشعبِ الذي لا يُدركُ أن تغليبَ المصلحةِ الوطنيةِ العليا تضمنُ مصلحتهُ الشخصيةَ أكثر. قانونُ ضريبةِ الدخلِ وقانونُ الجماركِ يُعاقِبانِ من يتلاعبُ في حساباتهِ سواءاً بتقليلِ إيراداتهِ أو تَضخيمِ نفقاته. فلماذا لا يُطَبِقُ مجلسُ النوابِ عقوباتٍ مُماثلةٍ على الحكومة التي تضحكُ عليه وعلى الشعب. مجلسِ النوابِ هو نفسهُ الذي سنّ تلك القوانين.
3- تَضمنت مُخصصاتُ بنود "استخدام السلع والخدمات" لعام 2019 زيادةً تبلغُ 40 مليون دينار عن إعادة تقدير 2018. مُعظمُ الزياداتِ تبدو عشوائية. فمثلاً، زيدت مُخصصاتُ الايجارات ب 4 ملايين دينار. بينما زاد مبلغ إعادة التقدير لمُخصصاتِ الايجارات لعام 2018 ( 700 ) الف دينار فقط عن عام 2017. كما زيدت مُخصصاتُ الكهرُباءِ ب 13 مليون دينار عن إعادة تقدير 2018 في حين أنها نقصت نصف مليون دينار حسب إعادة تقدير 2018 عن الانفاق الفعلي لعام 2017. تم زيادةُ مُخصصاتِ المحروقاتِ ب 3 ملايين دينار عن 2018 مع أن أسعارِ النفط انخفضت، ومنَ المُتوقعِ إستمرارُ الانخفاضِ بتأثيرِ الرغبةِ الامريكية، وما يجري على حَلبةِ صراعِ التجارةِ العالمية. زيدت مُخصصاتُ القرطاسية والمطبوعات ب 10 ملاين دينار عن 2018. كان الاصحُ تخفيض مُخصصاتِ القرطاسية الى النصفِ لا زيادتها وتحويلُ جُزءٍ مِنها الى الحكومة الالكترونية، والباقي لزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين، فالمُخصصَ يصلُ الى 123 مليون دينار وهو مبلغٌ جدُ كبير، وهو يمثلُ أحد بنود عطاءات التنفيع.
4- أذا أضفنا مبلغ ال 40 مليون دينار المشار اليه في البند 3 الى مبلغ ال 178 مليون دينار المشار اليه في البند 1 يُصبحُ مجموعُ التضخيم 218 مليون دينار، أي 33.7% من العجز المُصَنّعِ.
5- يُلاحظُ أن مُخَصصاتِ الموظفين المصنفين قد نَقصت بمبلغِ مليوني دينار عن عام 2018. وبذلك يصلُ إجماليُ التخفيضِ في مخصصات الموظفين المصنفين منذ عام 2017 الى 13 مليون دينار. طبعاً هذا الانخفاضُ ينعكسُ بالزيادة على مُخصصاتِ التقاعدِ التي تشتكي منها الحكومة. بمعنى، أن الحكومة تقومُ بتقعيد الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم مقابل عملهم، ثم تدفعُ لهم بدونِ عمل. وهذا هو ما تفعلهُ، لكن بصورةٍ أكثر سُوءاً في الاجهزة الامنية، اذ يتمُ إحالةُ الضباطِ باعمارٍ مُبكرةٍ بعد أن يكون قد تَمَ تأهيلُهم بافضل الدوراتِ المُكلفةِ جداً في الداخلِ والخارج، ثم سرعانَ ما تُحرمُ الاجهزة الامنية من علمهم وخبرتهم، ويُأتى باغرارٍ يُمرَروا بنفسِ التجرُبةِ العبثية. طبعاً هذه الدوراتُ لا تؤهلُ الضباطَ للعملِ بعد التقاعد، لانها دورات عسكرية مُتخصصة. هذا مثالٌ واضحٌ على السفهِ المالي والاداري.
6- يُلاحظُ ايضاً، زيادةُ مُخصصاتِ الموظفين غير المصنفين ب 20 مليون دينار عن عام 2018 الذي كان قد زاد بمبلغ 4 ملايين دينار فقط عن عام 2017 . وبذلك يُصبحُ المجموع 25 مليون دينار. هذهِ الزيادةُ يُمكنُ أن تُفسرَ بنفس التفسيرِ السابقِ وهو تضخيمُ أرقامِ النفقاتِ لتضخيمِ العجزِ، أو أن هُناكَ توجهٌ حُكومي للاعتماد في تسيير العمل الحكومي على الموظفين غير المصنفين، الذينَ هُم أقلُ مُؤهلاتٍ وكفاءةً من الموظفين المصنفين، حسبَ شروطِ التصنيف المعتمدة في ديوان الخدمة المدنية. إن صحَ هذا التفسير، فاننا أمام عَمليةِ تخريبٍ للجهاز الحكومي المدني.
7- يُلاحظُ أن مُخصصاتِ الموظفينَ تحت بندي عقودٍ، وعقود شاملة في عام 2019 قد زيدت بمبلغ 26 مليون دينار عن 2018. التفسيرُ الوحيدُ لهذه القفزة في المخصصات هو تَوجهُ الحكومةِ لتعيينِ مزيدٍ من الموظفين على نظام العقود. التعيينُ على العُقودِ مُرتبطٌ تاريخياً بالفسادِ والمحسوبيةِ والتنفيع لابناء المُتسلطين وعدمِ المساواةِ في الفرص وفي الرواتب. والالتفافِ على الدورِ في ديوان الخدمة المدنية.
8- يُلاحظُ زيادةُ مخصصات العلاوة الاضافية ب 34 مليون دينار ومكافآت الموظفين ب 13 مليون دينار لعام 2019. هذه الزياداتُ في المخصصاتِ غيرُ مُبررةٍ اذا ما قورنت بزياداتِ الاعوامِ السابقة. مشروعُ القانونِ لا يُفسرُ الاسباب. ولذلك نعود الى التفسيرين، السابقِ الاشارةُ اليهما: تضخيمُ الانفاقِ أو التوجهُ لزيادة الرواتبِ الاجماليةِ للموظفين والمتقاعدين لامتصاص الغضب الشعبي، بزيادة لا تعوضُ شيئأ من الانخفاضِ المتواصلِ بمستوى معيشة الموظفين والمتقاعدين بسبب الارتفاعات الكبيرة في الاسعار التي من بين اسبابها النمو العشوائي للضرائب.