فيما انتهى اعتصام اهالي الطيبة امام مبنى رئاسة الوزراء بوعود اطلقها السيد الذهبي بحل مشكلاتهم ومعالجة ازمة «العطش» التي يعانونها منذ شهور ، ما تزال ارصفة ميناء العقبة تشهد اعتصاما لعمال مؤسسة الموانىء بعد ان فشلت جهود تسوية الخلاف بين ادارة الميناء ومجلس الادارة وبينهم ، وكنا قد شهدنا في الاسابيع والشهور الماضية سلسلة من الاضرابات والاعتصامات لعمال وموظفين في مواقع مختلفة احتجاجا على أوضاعهم او تجاهل حقوقهم او «سطوة» القرارات التي تصدرها الادارات بحقهم.
الاعتصامات - وان كانت جديدة على بلادنا - فكرة حضارية ، وهي تعبر عن ارتفاع مستوى الوعي لدى عمالنا الذين اصبحوا يأخذون زمام المبادرة للدفاع عن حقوقهم ، ووقف جماح التجاوزات والظلم التي تلحقها بهم سياسات الخصخصة او تصاعد فهم «رأس المال» الذي لا يهمه الا الربح فقط ، لكن هذه الاعتصامات من جهة اخرى (وان كان سؤال جدواها ما يزال مشكوكا فيه) تشير الى خلل كبير في قدرتنا - حكومة ومؤسسات ونقابات - على ادارة شؤوننا ، ومعرفة مشكلاتنا ومواجهة «ازمة» الثقة التي يبدو انها تتسع بين الناس والمسؤولين ، ومن أسف ان يكون المواطن في بلادنا قد وصل الى هذه الدرجة من الاهمال وعدم الاهتمام بمشكلاته الاساسية وضرورياته ، ليضطر الى «رفع صوته» او التعبير عن غضبه ، بهذه الصور المختلفة ، التي قد تتسبب احيانا في تعطيل مرافقنا الانتاجية والخدماتية ، او الاساءة لمدى التزامنا بالمعاهدات والمواثيق الدولية.
ربما يبدو مفهوما ما نشهده من اعتصامات في حدود الصراع بين العمال وأرباب العمل لانتزاع ما لهم من حقوق ، لكن من غير المفهوم ان يضطر الناس البسطاء للاحتجاج امام «حكومتهم» على عدم وصول المياه اليهم منذ اكثر من اربعة شهور ، وهذا لا يقتصر على أهالي الطيبة في الكرك فقط ، وانما يمتد الى أحياء كثيرة في اربد وفي الاغوار الشمالية وفي مناطق جنوبية وفي عجلون وغيرها ، واللافت ان أحداً من المسؤولين لم يتطوع لزيارة هذه المناطق او الرد على شكاوى الناس فيها ، واذا حدث ، فالوعود هي الحل ، والاجراءات الادارية المعقدة هي الحجة في التأخير ، وتكرار «لازمة» فقرنا في المياه هي الرد ، فيما «يتنغنغ» البعض بالبرك والمسطحات المائية التي تكفي بلدة مثل الطيبة او غيرها سنة بالكامل.
ازمة «العطش» واعتصاماته ليست حالة معزولة عن سياقها الاجتماعي والاقتصادي ، وربما السياسي ايضا ، بمعنى انها جزء من معاناة عامة بدأت تتغلغل داخل مجتمعنا ، وتعبر عن نفسها بصورة عديدة ، وهي تعكس طبيعة العلاقة بين الناس ومؤسساتهم ، وبين المواطن والدولة ، اذ ان المواطن بدأ يشعر الان بأن احتياجاته وهمومه وقضاياه لم تعد تجد ما يناسبها من اهتمام لدى المسؤول ، وبأن صوته لا يمكن ان يصل من خلال القنوات الطبيعية ، وهذا يعني - باختصار - ان ثمة ازمة في الادارة.. وفي العلاقة ، وفي الثقة ايضا.
هي رسالة من تحت الماء سواء كانت من العقبة او من اربد و من الطيبة نتمنى ان تصل لمؤسساتنا وحكوماتنا ايضا.