انتهى عام (2018) الذي كان شديد القتامة على أمة العرب وكان استمراراً لأعوام سابقة مريرة وعابسة من حيث الاستمرار في الاقتتال الداخلي والمضي في مسيرة عدم الاستقرار، ومزيد من الكوارث على مختلف الأصعدة والمستويات، ففي اليمن لم تفلح كل المحاولات الدولية والإقليمية في وقف المعارك الداخلية ، وتعرض الشعب اليمني خلال هذه الحرب إلى التجويع وانتشار الأمراض والكوارث الصحية، فضلاً عن تعطيل التعليم والنمو في جميع المسارات، وليبيا لم تحظ بالاستقرار والحكم المركزي حتى هذه اللحظة، وما زال الشعب الليبي رهن التجاذبات الداخلية والإقليمية، وتعطلت مسيرة الحياة الطبيعية فيها عدة أعوام متتالية، وما زال الأفق السياسي أمام الليبيين غائما وضبابياً.
سوريا لم تستقر الأمور فيها بشكل نهائي، وما زالت الساحة السورية مفتوحة على عدة احتمالات، في ضوء الإعلان الأمريكي عن الانسحاب، وتوتر الحدود الشمالية ما زال مستمراً بين تركيا من جهة وبين المليشيات الكردية من جهة أخرى، بالإضافة إلى وجود بعض بقايا للحركات المسلحة التي ما زالت قيد المفاوضات والمناوشات، وإن كانت الأمور تسير باتجاه مصلحة النظام والتحالف الروسي الإيراني في الأعم الأغلب.
العراق لم يصل إلى درجة التعافي والاستقرار الكامل، ولبنان لم يستطع التقدم إلى الأمام على صعيد تشكيل الحكومة، وما زال منهج الثلث المعطل يحول دون الوصول إلى مرحلة الاستقرار السياسي المطلوب، وما زال النظام السياسي القائم على منهج المحاصصة السياسية عاجزاً عن توحيد الشعب اللبناني وبناء الدولة اللبنانية الديمقراطية الحقيقية والتقدم إلى الأمام.
وفي الخليج العربي لم يتم التوصل إلى تسوية الخلاف الحاد بين قطر من جهة وبين السعودية والامارات من جهة أخرى.
الأردن استطاع أن ينجو من مقصلة الفوضى العارمة التي اجتاحت المنطقة، لكنه لم يستطع النجاة من الآثار المدمرة للأحداث العربية على الإقليم بأكمله، ولذلك يتعرض إلى أزمة اقتصادية خانقة، وانسداد سياسي، وهو يحاول جاهداً الخروج من عنق الزجاجة ولم يفلح حتى هذه اللحظة.
مصر لم تستطع حل مشكلة سيناء المستعصية، ولم تستطع التغلب على الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي حولتها إلى دولة عاجزة عن القيام بدور القيادة للإقليم العربي، وما زال أفق الإصلاح فيها مغلقا.
تونس لم تغادر مربع الانقسام الإسلامي - العلماني الذي يأخذ بعداً إشكالياً يحول دون الإمساك بأسباب النهضة التي تحتاج إلى وحدة الدولة ووحدة الشعب ووحدة النظام ووحدة الرؤية والرسالة، واستيعاب الاختلاف بطريقة حضارية بعيدة عن منطق الإقصاء والتشويه للمخالف، وأما بقية بلدان المغرب العربي فهي أحسن حالاً من بلدان المشرق في الوقت الحاضر، لكنها ما زالت غير قادرة على تجاوز حالة الضعف الاقتصادي، وربما تكون المغرب مرشحة للإفلات من معضلة الاستبداد والضعف، والإنطلاق نحو أفق التقدم واللحاق بركب العالم المتحضر الذي يحتاج إلى عدة سنوات.
انتهى عام 2018 القاتم ونرجو الله أن تدلف أمة العرب إلى (عام 2019) وقد استطاعت تجاوز هذا الواقع القاتم وهذه المظاهر البائسة، وإعادة ترتيب البيت العربي من أجل مواجهة استحقاقات المرحلة القادمة الأشد صعوبة والله أعلم إن بقينا في مربع العجز والتخلف والاستبداد. (الدستور)