التطبيع والمقاطعة .. وجها الخيبة والأمل في 2018
03-01-2019 07:20 PM
عمون - لم يكن التطبيع بين الدول العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي وليد العام 2018، لكنه كان العام الأكثر مجاهرة بطبيعة هذا التطبيع ووصل إلى مرحلة كان واضحا أنّه قد قطعاً شوطاً كبيراً تحت الطاولة، وبات أمراً لا يمكن إخفاؤه.
وشهد عام 2018 زيارات ولقاءات واتصالات تطبيعية غير مسبوقة بين دول عربية جديدة غير تلك التي تفتح أبوابها لسفارات وقنصليات إسرائيلية، إذ تخطى الأمر حدود العلاقة الاضطرارية إلى علاقة دبلوماسية حقيقية وعلنية.
في مقابل الصورة السوداوية من التطبيع العربي مع الاحتلال الصهيوني، باتت شمس مقاطعة الاحتلال ومنتجاته واحتلاله تتصاعد بشكل غير مسبوق أيضاً.
العلاقات العربية الإسرائيلية
الخبير في الشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر، أشار إلى أنّ طبيعة التسوية التي تفرضها "إسرائيل" على العرب تتجاوز إقامة علاقات بين الجانبين، أو حتى إقامة نوع من التعاون بين دول المنطقة.
وقال في حديثه لوسيلة اعلام فلسطينية: "ما تريده إسرائيل من طبيعة التسوية، هو إلغاء جذري وشامل ومنهجي ومخطط للأمة العربية وتاريخها وثقافتها وقيمها الأخلاقية والدينية، وشخصيتها القومية، وتحويلها إلى كم من الأفراد في آلية اقتصادية اجتماعية ثقافية جديدة".
وشهد عام 2018 لقاءات عديدة بين عدد من قادة الاحتلال مع مسؤولين وقادة دول عربية، كما تلقى وزير الاقتصاد الإسرائيلي إيلي كوهين دعوة رسمية لزيارة البحرين منتصف نيسان المقبل للمشاركة في مؤتمر عالمي على مستوى وزراء الدول الناشئة الرائدة في مجال التكنولوجيا والابتكار، وينظمه البنك الدولي.
وفي السياق نفسه، أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رئيس تشاد إدريس ديبي، بأنه يتوقع أن يزور المزيد من الدول العربية في المستقبل القريب بعد أن ذهب إلى سلطنة عُمان الشهر الماضي.
وفور تصريح نتنياهو، تناقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية الإعلان لتؤكد نقلاً عن مصدر سياسي مسؤول، أن "السودان هي الدولة العربية الأفريقية المقبلة التي يعتزم نتنياهو زيارتها قريبا".
ويتزامن هذا الإعلان مع كشف القناة العبرية الأولى عن سلسلة زيارات سرية نظمها رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات، أخيرا لعدد من الدول العربية والإسلامية التي لا تربطها علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل".
وكان السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون أعلن أخيرا أن نتنياهو أجرى سلسلة لقاءات سرية مع عدد من رؤساء وقادة دول عربية وإسلامية، بحث خلالها مسألة إقامة علاقات رسمية مع "إسرائيل".
ويشير الأكاديمي أبو عامر، إلى أنّ التطبيع يبقى العامل الحاسم على المدى البعيد، لأن الصراع يترسخ في وعي الشعوب وثقافتها وذاكرتها الجمعية ووجدانها القومي، فيصعب هز القناعات وتدمير مقومات الذاكرة الوطنية واختراق الثوابت التاريخية والدينية والحضارية من دون إقامة جسور للتواصل والتطبيع.
وأضاف: "الإصرار الإسرائيلي على التطبيع، ينبع من إدراكه أن هذا الميدان هو المؤهل والقادر على تلويث الفكر العربي والثقافة الشعبية الوطنية، وضخ المفاهيم والتصورات المشوهة لقيمه ومبادئه الشخصية والقومية".
ويوضح أنّ المؤسف في الخطاب الرسمي والثقافي العربي أنه يتسم بنبرة استعطافية توحي وكأن الطرف الإسرائيلي هو الثابت وصاحب الحق، ونحن الطارئون، "كما يختصر خطابنا وحقوقنا في حدود الضفة والقطاع كحد أقصى، متجاهلاً تماماً حقنا التاريخي في فلسطين كاملة".
حالة رافضة
ويشير خبراء ومحللون أنّ التطبيع يواجه قوة صاعدة من المقاطعة وكبح الجماح تتمثل في إحياء القضية الفلسطينية من الجاليات المسلمة والعربية ما يعيد الزخم لمسألة مقاومة التطبيع، وتنامي التأييد للمقاومة الفلسطينية بوصفها آلية ناجعة للتصدي للعدوان الإسرائيلي، وتراجع مشروع التسوية الفلسطيني.
وتنشط حركة مقاطعة "إسرائيل" (BDS) بشكل واسع، لتصبح من الأضخم والأكثر تأثيراً على التوجهات الاستثمارية العربية والدولية، حيث تعدّ هذه الحركة جزءاً من منظومة واسعة من الجمعيات والحركات المدنية والحزبية، التي استطاعت فرض المقاطعة أسلوب مقاومة فاعل، وآلية للتعريف بالقضية الفلسطينية، وبالظلم اللاحق بشعب فقد أرضه ومواردها، بفعل احتلالها من الإسرائيليين.
في عام 2015 أصدرت وزارة المالية الإسرائيلية بيانا، أكّدت فيه أنّ المقاطعات الطوعية من الدول الأوروبية، التي تطال سلسلة متاجر أو بعض السلع المنتجة في مستوطنات الضفة الغربية، قد أدى إلى أضرار تعادل نحو 147 مليون دولار سنويًّا.
ويشرح تقرير نشرته "سي أن بي سي" الأميركية، أن الأثر التراكمي بين عامي 2014 و2024، في سيناريو المقاومة عبر المقاطعة سيكلف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 80 مليار دولار، منها نحو 44 مليارا تعود إلى خدمات تنمية الأعمال التجارية.
انسحابات بالجملة
في السنوات الماضية شهدت حالة المقاطعة انسحاب شركات أوروبية كبرى من السوق الإسرائيلي بعد حملات قوية ضدها لتورطها في الانتهاكات الإسرائيلية.
وقالت شركة "فيوليا" المختصة ببيع الاستثمارات، أنّها أنهت دورها في مشاريع البنية التحتية في المستعمرات الإسرائيلية غير القانونية بعد ضغط نشطاء حملات المقاطعة حول العالم على المجالس المحلية لإلغاء عقودها مع الشركة، والتي فاقت قيمتها 20 مليار دولار.
وفي نوفمبر عام 2018، أعلنت منصة "اير بي ان بي" كبرى شركات الاستثمار، سحب المساكن المقامة في المستوطنات الإسرائيلية من قوائمها قبل إصدار "هيومن رايتس ووتش" تقريرا ينتقدها.
ودعت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، شركة "بوكينغ.كوم" إلى أن تحذو حذو منصة "اير بي أن بي" والانسحاب من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.