لا غرابة ، فالتاريخ هو التاريخ ولا جديد في تمسك الحكام بكراسيهم عبر كل العصور ، وفي كل المِلل والنِحَل!! إنه الضعف البشري الذي لا يتخلص منه إلا أصحاب النفوس الكبيرة الذين يرون أنفسهم خدما" لأمتهم بخلاف أولئك الذين يرون الكرسي مغنما" وفرصة للبطر والعجرفة وإلقاء الأوامر وامتصاص أموال الناس وتحويلهم الى عبيد يطأطئون الرؤوس ويركعون فعلا" ماديا" أو حالا" أو ممارسة وواقعا" .
لقد حدثنا الله عن واحد من هؤلاء الجبابرة قصار النظر فقال على لسان فرعون ( أنا ربكم الأعلى ) ( ما علمت لكم من إله غيري ) ( ما أريكم إلا ما أرى ) وكان هذا استخفافا" بالناس قال تعالى ( فاستخف قومه فأطاعوه ) ومر في تاريخنا الحجاج وأبو العباس السفاح ووصلنا الى أتاتورك مرورا" بعدد من دكتاتوريي العرب واليوم نرى رئيسا" انقسمت بلده في عهده وحكم حتى الان ثلاثين سنة ويثور عليه شعبه فيقتلهم صباح مساء ثم يرجوهم إمهاله الى عام 2020 ليجري لهم الانتخابات النزيهة بينما هو قد جاء على ظهر دبابة !!! وآخر صار الشعار الذي يردده إعلامه( إلى الأبد يا ...) حاكم اخر مريض لا يستطيع المشي الا بكرسي متحرك ويصر على الاستمرار !!!
ما هذا المرض النفسي المزمن في نفوس البعض ؟ اذا كانت خدمة فقد أخذت الفرصة وشكرا" لك ؟ الموظف يحال على التقاعد فلماذا لا يتقاعد هؤلاء ؟ أليسوا بشرا" محتاجين الى الراحة ؟ لماذا لا ينفقون ما تبقى من أعمارهم في طاعة الله فيستغفروا على ما فرطوا ليستعدوا للقاء ملك الملوك الذي يعلم السر وأخفى ؟ لقد تسربت العدوى منهم لمن دونهم من مسؤولين ونواب وقادة احزاب ولا حل نراه في الواقع مع هؤلاء الا ملك الموت .
لم يغادر قذافي وصالح بخاطرهم بل أرسلتهم شعوبهم الى العزيز الحكيم وهناك الحساب الدقيق .
لقد أدركت شعوب هذا المرض النفسي في أغلب النفوس البشرية فذهبت الى تقنين دساتير تحول دون استمرار من يحكم الى الأبد بل ضربوا له مدة زمنية وبعدها يرحل بالقانون وليس بأصوات الهاتفين في المظاهرات.
حينما انتهت فترة اوباما قال : لو ترشحت فسوف أفوز ولكنه القانون وقد جهزت نفسي للعمل في مجال اخر . وهذا ما نراه في الدول المتقدمة . أما الدول المتخلفة فصاحب المزرعة لا يسمح لنفسه مجرد التفكير بعمل غير الزعامة .
إن من يعاني من هذا المرض النفسي لا يستطيع أن يخدم أمته لانه لا يرى نفسه الا فوق الكرسي فقد خُلق للكرسي وخُلق الكرسي له ولا شيء غير ذلك وكل من يقول غير ذلك فلا بد من تأديبه وتلويثه والماكنة موجودة والتهم جاهزة والإعلام المضلل موجود والعصا متوفرة والمطبلون موجودون .
لا يمكن أن تنهض أمة وهي بهذا الوضع ورحم الله الخلفاء الراشدين الذين كان كل واحد منهم لا يريدها وكل الفترة التي قضوها أربعتهم لا تصل الى ثلاثين سنة وهي أقل من فترة قذافي أوالبشير أو بوتفليقة.
ولا حل لهذا الأمر الا بالتقنين الدستوري الذي ينظم هذا الأمر كي لا تبقى الأمة تعيش صراعات السلطة التي بدأت من الأمويين ومستمرة في أمتنا الى اليوم .