اشترك زعماء 13 دولة عربية في احتفال ليبيا بجلاء اخر جندي اميركي من قاعدة عقبة بن نافع ( ويلس ) خلال الفترة من 20-22 حزيران 1970 ، وقد شرح الحسين للزعماء العرب اسباب الازمة في الاردن بين الحكومة والفدائيين ، وكيف تعمل المنظمات المتطرفة على اثارة المشاكل ، مبينا ان الاردن يستطيع قبول فدائيين في الاغوار وليس في مدينة عمان والمدن الاردنية الاخرى ، وقد اتفق المجتمعون على تاليف لجنة رباعية من ممثلين عن مصر والجزائر وليبيا والسودان للتوسط بين الطرفين ، وقد تالفت اللجنة من كل من قائد صبري من الجزائر ، وحسن صبري الخولي من مصر ، ومأمون عوض ابو زيد من السودان ومحمد نجم من ليبيا .
وصل اعضاء اللجنة العربية الرباعية الى عمان في 26 حزيران 1970 ، واجتمعوا مع ممثلي الاطراف ، وقد قال عرفات امام اللجنة : " جئنا الى عمان لحماية امن الثورة " واكد ان اكثر من نصف السكان من الفلسطينيين . وقد عقدت اللجنة اتفاقية في 10تموز 1970 تتالف من 16 بندا . وقع الاتفاقية عبد المنعم الرفاعي رئيس الوزراء وياسر عرفات رئيس اللجنة المركزية واعضاء اللجنة العربية ؛ وقد نصت الاتفاقية على عدم اتخاذ اي عمل يمس " سيادة الدولة" وان لا يحمل الفدائيون اسلحتهم في المدن والاماكن العامة ، الا ان الاتفاقية لم تنفذ على ارض الواقع لتفاقم الامر مجددا . وجاءات مبادرة وليم روجرز الثانية لتنفيذ القرار 242 . وقد وافق جمال عبد الناصر على المقترحات واعلن الحسين موافقته على المبادرة ، وقد عارضت كل من وسورية والمنظمات الفلسطينية القرار ، وفي 27 تموز 1970 شبت المظاهرات في عمان واصرت اللجنة المركزية على ان يرفض الاردن مقترحات روجرز، وفي 29 تموز اعلنت العراق ان جميع القوات العراقية المرابطة في الاردن وعددها 17 الف رجل وضعت تحت تصرف المنظمات .
وزار عرفات مصر والسعودية ؛ حيث اخذ الرئيس جمال عبد الناصر يلوم المنظمات على اعمالها في الاردن وقال لعرفات : " ان الملك الحسين تعرض للكثير منكم " ، وقال لهم : " لابد ان ينطلق النضال ضد العدو من خط وقف اطلاق النار وليس من عمان " . فتنصل عرفات من مسؤوليات واتهم المنظمات الاخرى التابعة لسورية والعراق بانها هي التي تقوم باعمال الاستفزاز .
وفي 2 اب 1970 اعاد الحسين اللواء زيد بن شاكر الى القوات المسلحة ليتولى منصب نائب رئيس هيئة الاركان ، فاعتبرت المنظمات هذا الاجراء مخالفا لاتفاق 10تموز 1970 .واعلنت المنظمات رفضها لاتفاقية وقف اطلاق النار .
واجتمع في 5 و 6 اب 1970 بعض وزراء الخارجية والدفاع العرب في طرابلس بليبيا ، وانتهت الاجتماعات دون صدور بيان.
وفي 14 اب 1970 اعلن ياسر عرفات في خطاب له ؛ ان الجيش حشد اربعة الوية حول عمان ، وانذر الاردن قائلا : " اننا سنقلب هذه البلاد الى قبور لجميع الذين يعدون المكائد ، وان هذه البلاد ستبقى هانوي الثورة الفلسطينية ". وقد نشطت وسائل المنظمات في صب النار على الزيت ، واصدرت منظمة الانصار جريدة " صوت الجماهير" واصدرت منظمة الصاعقة " جريدة الطلائع" ، واصدرت الجبهة الديموقراطية " جريدة الشرارة " وحملت كلها راية التطرف .
وزار الحسين مصر في نفس الفترة ، واجتمع مع عبد الناصر في الاسكندرية خلال الفترة من 20- 23 اب 1970 .
وفي 26 تموز 1970 بدات المنظمات بتصعيد الاحداث ؛ حيث قامت جماعات من الفدائيين بهجوم على سيارة للامن العام ، وسلبوا رواتب افراد مستودعات الامن العام والبالغة 3425 دينار من الملازم ربحي النابلسي بعد ان اصابوه بجراح ، ثم هاجموا سيارة نجدة للشرطة واستولوا عليها وعلى سلاح افراد الدورية ، واغلق الفدائيون الطرق في عمان . وفي 28 تموز هاجم افراد الجبهة الديموقراطية البريد الآلي بالرشاشات والصواريخ ، وفي 30 اب هاجم الفدائيون قيادة الشرطة ومديرية الامن العام والمخابرات العامة ومخفر المهاجرين واعتقلوا قائده .
وفي 27خلال الفترة من 27-28 آب 1970 عقد المجلس الوطني الفلسطيني مؤتمره في عمان . ونشرت جريدة فتح بيانا يوضح موقف المنظمات فقالت : " اذا ارادت السلطة الصدام فانه حتما سيكون الصدام الاخير، وفي اليوم التالي كان عنوانها : " عمان تتحدى الجلادين" .
وفي 1 ايلول 1970 اطلق مسلحون النار على موكب الملك الحسين في طريق عين غزال قرب مقطع سكة الحديد ، بينما كان الملك في طريقه الى المطار لاستقبال كريمته الاميرة عالية ، ولم تهبط الطائرة في المطار بل عادت الى القاهرة .
وفي مساء 1 ايلول 1970 بعثت الحكومة العراقية انذارا للحكومة الاردنية ؛ على شكل مذكرة ، جاء فيها : " انه في حال عدم توقف اطلاق النار على الفدائيين فلن يكون بوسع الحكومة العراقية منع افراد من القوات العراقيه من التدخل لمصلحة الفدائيين " . ورفض الاردن التحذير الذي وجهته حكومة العراق .
وفي 2 ايلول 1970 عقدت في عمان " ندوة فلسطين العالمية " افتتحها ياسر عرفات بخطاب استهله بقوله : " انني يشعر بالفخر لعقد هذه الندوة ، ليس في ظلال هذه السلطة المرتبطة ارتباطا وثيقا بالمخابرات المركزية الاميركية ، ولكن في ظل بنادق اخوانم الثوار " . وفي 2 ايلول بعث عرفات برقية لمؤتمر المحامين في الجزائر وصف فيها الدولة الاردنية بانها " السلطة العميلة" . وانها تتحرك لتنفيذ مخططها المجرم .
وفي 3 ايلول 1970 اجتمع مجلس الامة مع رئيس الوزراء عبد المنعم الرفاعي وياسر عرفات وعدد من اعضاء اللجنة المركزية من اجل المساعدة في تخفيف حدة التوتر ، الا ان اعضاء اللجنة حذروا الحكومة والجيش قائلين : " سوف نحمي انفسنا ، وسنسحق كل من يحاول سحقنا اذا لم ينسحب الجيش " .
ووجه الملك رسالة الى الشعب في مساء 3 ايلول 1970 بين خوف المواطنين وقلقهم مما يقد يحدث عند تجدد الاشتباكات .
وفي 5 ايلول 1970 توصل الطرفان الى اتفاق ينص على سحب الجيش الاردني من ضواحي المدينة ؛ مقابل اخلاء الشوارع من المقاتلين الفدائيين . واجتمع مجلس الجامعة في القاهرة في نفس اليوم ، وقرر احياء اللجنة العربية بتاليف لجنة خماسية من ممثلين عن الجزائر وليبيا ومصر والسودان والجامعة ، ووصلت اللجنة الى عمان برئاسة امين طاهر شبلي ممثل السودان ، فابرمت اتفاقا جديدا في 8 ايلول على اساس وقف اطلاق النار، واخلاء شوارع عمان من المسلحين ، وايقاف الحملات الاعلامية . ولكن الفدائيين لم يتوقفوا عن الاعمال الاستفزازية .
وفي 6 ايلول 1970 فوجيء العالم بقيام الجبهة الشعبية باختطاف ثلاث طائرات ركاب مدنية ؛ اثنتان اميركيتان وواحدة سويسرية على متنها 393 راكبا و 32 ملاحا ، فيما فشلت محاولة اختطاف طائرة اسرائيلية في بريطانيا ، وتم تحويل اثنتين منها للهبوط في البادية الاردنية في " قيعان خنة" والذي اطلق الفدائيون عليه اسم " مطار الثورة " اما الطائرة الثالثة الاميركية فقد تم تحويلها الى مطار القاهرة كونها من نوع جامبو ، وتم تفجير الطائرة في القاهرة فيما بعد .
وفي 9 ايلول ازاد التوتر ؛ فمنح الملك الحسين الفريق مشهور حديثة صلاحيات كاملة للتعامل مع الجيش ، وقد اصدر الفريق امره الفوري بوقف اطلاق النار ، وكذلك فعل عرفات .
كما قام الفدائيون في 9 ايلول1970 باختطاف طائرة ركاب بريطانية وهبطوا بها في المطار الصحراوي ، فقامت القوات الاردنية بمحاصرة الموقع ، الا ان الفدائيين هددوا بتفجير الطائرات اذا اقترب الجنود . وتم نقل الشيوخ والاطفال والنساء من الطائرات الى فندق الاردن، وطالبوا بان تطلق سويسرا سراح ثلاثة فدائيين في سجونها ، وان تطلق بريطانيا سراح ليلى خالد التي اخفقت ورفيقها في خطف الطائرة الاسرائيلية ، وان تطلق المانيا سراح ثلاثة فدائيين . وقد تساءل الجميع : " هل فقدت السلطات الاردنية السيطرة على اراضيها " ؟؟؟ . فيما طالب العالم باطلاق سراح الركاب والملاحين ، ودعت العراق المنظمات لاطلاح سراح المحتجزين ، ولكن الجبهة الشعبية عمدت لتدمير الطائرات ونسفها حين لم تطلق الدول سراح الفدائيين من سجونها ، ثم تم ترحيل الركاب الى قبرص ، باستثناء 54 منهم بقوا لدى الجبهة الشعبية ، وقد خشيت المنظمات من عملية انزال امريكي بعد تحذير الرئيس نيكسون لخاطفي الطائرات .
وفي 14 ايلول1970 اجرى الملك حديثا مع صحيفة " لوفيغارو" بين فيه عدم التزام الفدائيين بالاتفاقات ، وقال : " ان الجيش مضطرب جدا .... لقد تحملوا الكفاية ... لم يتعودوا قط ان يكونوا محتقرين ومهانين ومستفزين ... وان ضباطا نزعوا شاراتهم العسكرية " واضاف الحسين : " حاولت منع بطارية مدفعية كانت تتجه الى عمان ، ولم يتوقفوا " وقال الملك : " عندما حاولت ايقافهم راحت الشاحنات تدفعني الى حافة الطريق حتى كدت اقع في المنحدر الى ان تمكن بصعوبة بايقافهم " .
وتازم الموقف وتدهور واخذ المراسلون في عمان يصفون الحالة في عمان وكانهم في " ساحة معركة " وقالوا : لم تبق هنا سلطة " .
وفي 14 ايلول 1970 اعلن " المجلس الاعلى للاتحادات " عن تنفيذ اضراب عام وشامل لكافة مستخدمي الدولة والعمال والقطاع الخاص في 19 ايلول 1970، على شكل عصيان مدني باشتراك 11 اتحاد ونقابة ، بحيث تتوقف الحركة في انحاء البلاد ، كما اعلن الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين عن بدء اضراب لجميع اعضاء الهيئة التدريسية ، وقد نفذ الاضراب فعلا في اربد ، واعلن ياسر عرفات اربد منطقة محررة ، واعلنت جريدة فتح ان الاضراب لن يتوقف الا بعد تشكيل " سلطنة وطنية " ورفض مقترحات روجرز وقرار مجلس الامن 242 .
وامام هذا الوضع المتدهور عهد الحسين الى عاكف الفايز القريب من المنظمات لتاليف الوزارة الجديدة ، الا ان الفايز اعتذر عن القيام بتلك المهمة .
وفي 15 ايلول 1970 اعلن الحسين بعد مشارورات مع عدد من العسكريين في الحمر؛ عن تشكيل حكومة عسكرية برئاسة الزعيم محمد داؤود ، فاستقال اللواء مشهور حديثة الجازي رئيس اركان الجيش العربي ، واصدر الملك امرا بتعيين المشير حابس المجالي قائدا عاما للقوات المسلحة الاردنية . وتكونت الحكومة العسكرية من كل من : الزعيم مازن العجلوني ، اللواء مطلق عيد ، الزعيم صالح الشرع ، الزعيم ابراهيم ايوب ، الزعيم فهد جرادات ، الزعيم عواد الخالدي ، العقيد الدكتور يعقوب ابو غوش ، المقدم عبد الله صايل الخريشة ، الرائد مفلح العودة الله ، الرائد ابراهيم صايل الحسبان ، الرائد عدنان ابو عودة . وقد بدات الوزارة العسكرية عملها بتعيين المشير حابس المجالي حاكما عسكلريا عاما .
وقد اصدر الحاكم العسكري العام المشير حابس المجالي قرارا بتعيين حكاما عسكريين لمناطق البلاد كما يلي : الزعيم مازن العجلوني نائبا للحاكم العسكري العام ، اللواء قاسم المعايطة حاكما عسكريا للكرك والبلقاء ، العقيد كاسب صفوق الجازي حاكما عسكريا للعاصمة ، الزعيم بهجت المحيسن حاكما عسكريا لاربد ، الزعيم محمد ادريس حاكما عسكريا للزرقاء ، الزعيم سالم عودة النجادات حاكما عسكريا لمعان .
وقد راى الحسين انه لا مجال الا لاعادة هيبة الدولة وفرض سيطرتها على انحاء البلاد ، وقد باشر رئيس الحكومة العسكرية بالاتصال بامين طاهر شبلي رئيس اللجنة الخماسية العربية ، من اجل تطبيق اتفاقيتي 10تموز 015 ايلول ، واتصل رئيس الحكومة العسكرية بياسر عرفات وقال له : " اناشدك باسم القدس التي قاتلت وجرحت فيها عام 1948 ان نجتمع لكي نضع حدا لهذه المشكلة " . والح عليه ورجاه للاجتماع لاكثر من نصف ساعة للحيلولة دون سفك الدماء ، وقد وعد عرفات بالرد وجاء الرد على لسان احمد اليماني ( ابو ماهر ) عضو اللجنة المركزية عن الجبهة الشعبية ، بعدم امكانية تلبية طلب الحكومة العسكرية للاجتماع ، وفي اليوم التالي اتصل رئيس اللجنة الخماسية العربية مع رئيس الوزراء وقال انه لم يستطع اقناع زعماء المنظمات بالحضور للاجتماع .
وقد زار الأمير زيد بن الحسين الاردن خلال هذه الفترة ، وكان في ذلك الوقت مقيما في بغداد، واستقبل الملك حسين الأمير زيد، الذي كان في ذلك الوقت في الثانية والسبعين من عمره، في المطار واصطحبه إلى قصر الندوة. وقد اندلع القتال بين الجيش الأردني والفدائيين (المنظمات الفلسطينية) في اليوم التالي لوصول الضيف الملكي، وتعيّن عليه البقاء داخل القصر لفترة عشرة أيام ، توفرت له الفرصة خلالها في الوقوف عن كثب على كيفية تعامل الملك حسين مع الجيش والحكومة وترتيبات وقف إطلاق النار مع منظمة التحرير الفلسطينية. تركت تلك التجربة انطباعا ايجابيا لدى الأمير زيد عن الملك الشاب، وهو يحاول معالجة الأوضاع في خضم المشاكل والضغوط والتحديات التي كانت تواجه البلاد خلال تلك الفترة. وابلغ الأمير زيد قبل مغادرته الاردن ابنه رعد بأنه يعتبر الملك حسين العضو الأكثر أصالة واقتدارا وشجاعة في الأسرة الهاشمية وأعظم زعيم وسط ملوك الأسرة الهاشمية.
وفي صباح يوم 16 ايلول 1970 وجه الحسين خطابا الى ابناء الوطن دعا فيه الى الوحدة الوطنية ، واشاد بوقفة الفدائيين مع الجيش الاردني في معركة الكرامة ، وقال : " لقد مكنا للمقاومة منذ البداية وحميناها.... لتنمو وتقوى ولا نريد ان نصفيها " . وكان الرد ان اجتمع ياسر عرفات مع اعضاء اللجنة التنفيذية في جبل الحسين واعلن توحيد صفوف المنظمات ، وتم اختيار ياسر عرفات قائا عاما لجميع قوات الفدائيين والعميد عبد الرزاق اليحيى رئيس اركان له ، ومنذ تلك اللحظة اخذ عرفات يوقع بياناته تحت اسم : " القائد العام لقوات الثورة " . ودعا عرفات عبر " صوت العاصفة" الى الاضراب العام " الى ان يسقط ما اسماه " الحكم العسكري الفاشي" ويتحقق الحكم الوطني .
وقد قام ياسر عرفات القائد العام لقوات الثورة بتقسيم عمان الى ثماني مناطق عسكرية كلف كل منظمة بالمسؤولية عن منطقة ، وحدد للمنظمات مسؤولياتها ومناطقها ، وهي : فتح ، الجبهة الشعبية ، الصاعقة ، جبهة التحرير العربية ، الجبهة الديموقراطية ، جبهة النضال الشعبي ، منظمة فلسطين العربية ، الجبهة الشعبية / القيادة العامة . كما نسق مع جيش التحرير وقوات التحرير الشعبية . وطلب عرفات من الميليشيات الشعبية تسليم اسلحتها للمنظمات التي جندتها وسلمتها الاسلحة .
في الحلقة المقبلة سنتناول المعركة الفاصلة التي خاضها الجيش الاردني مع الفدائيين لاعادة السيطرة على عمان والمدن الاردنية الاخرى . والغزو العسكري السوري لشمال الاردن ، رغم استمرار مؤتمرات القمة والوساطات العربية .