لماذا تُمنعُ الحكومةُ من الاستماع؟
د. عادل يعقوب الشمايله
03-01-2019 08:44 AM
عَلمتُ مِن مَصادرَ مُطلعةٍ وموثوقةِ، أن معالي مُستشارِ الحكومة للشؤون الغنائية، قد نَصحَ الحُكومةَ بأن تَستبدلَ النشيدَ المدرسي الصباحي بالبيتِ التالي مِن أُغنية " أعطني الناي وغني" لأميرةِ الغناءِ العربي فيروز:
زاهداً فيما سيأتي ناسياً ما قد مضى
كما اقترحَ معاليه، أن يُعممَ البيتُ على الوزارات والدوائر الحكومية وسائرِ مُنظماتِ القطاع الخاص وأن يُذاع في الباصات والتكاسي وسيارات السرفيس حتى تعيه كل أذن صاغية.
فقد اكتشفَ ذلك المستشارُ الفذُ المُتفاني، أن هذا البيتَ، يُعبرُ بإختصارٍ وحصافةٍ وبلاغةٍ مُتناهيةٍ عما تُريدهُ الحكوماتُ الاردنيةُ مِن رعيتها. ما تُريدهُ الحكومةُ بِبساطةٍ، لا يتجاوزُ، أن ينسى الشعبُ كاملَ تاريخِ الفساد بِحيثياتهِ، وأسبابهِ ومُسببيه، والمُتَنعمينَ بِهِ، وأن يَنسى حقهُ في الحياةِ الكريمةِ والحُكمِ الديموقراطي الذي يُترجمُ أن الشعبَ هو المصدرُ الحقيقيُ والوحيدُ للسُلطات. وأن ينسى بقيةَ الحقوقِ التي وَعدهُ بها الدستورُ، والتي سلبتها منه القوانينُ المُحَصَنةُ من الطعنِ بدستوريتها. القوانينُ التي سَنتها مجالسُ النواب القبليةِ والمقاولاتيةِ الفائزة بالمال وبالتزوير وبالجهل، كما يُرددُ مُعظمُ الناسِ وعلى رأسهم الحراكيون.
وعلى ذمة معالي المستشار لشؤون الطرب، تُريدُ الحكومةُ من الشعبِ أن يزهدَ بما سيأتي في المستقبل والذي ستتحمله الاجيال القادمةُ، مهما كان مُظلما وظالما. تُريده أن يزهد في المُتابعةِ والقلقِ على ألابناء والاحفاد مِن عبءِ الدينِ العام الشَرهِ الذي أصبحَ حَجمُهُ يُقاربُ ثلاثةَ أضعافِ حَجمِ الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي، ومِن تَهدُمِ البُنيةِ التحتيةِ، وازمةِ السيرِ الكارثيةِ: صِحةً وبيئةً وإنفاقاً ووقتاً، وتنمية، وخرابِ التعليمِ في القطاع العام ومعظم القطاع الخاص، وتراجع الخدمات الطبية. وأن يزهدَ في الحِرصِ على أبنائهِ وجيرانهِ مِن تزايدِ أخطارِ تفشي المُخدراتِ، وتراجعِ مؤشراتِ الامنِ، وتناقصِ فُرص العملِ المُناسبة المجزية.
ويُتابعُ المصدرُ المُطلعُ جداً، القولَ، أن مُستشارَ الحكومةِ الغنائي لم يُسمِع الحكومةَ باقي الاغنيةِ حتى لا تنزعج من الابيات التالية:
هل اتخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور
فتتبعت السواقي وتسلقت الصخور
هل فرشت العشب ليلا وتلحفت الفضاء
هل غادرك النوم ليلا طريدا من معدة خواء
لانه يخشى أنه في حالةِ سَمعَ الشعبُ والحراكيون بها، أن يُبادروا بمقارنة مستوى عيشهم بمستوى معيشة اثرياء الفساد، خَاصةً وأنهم قد لُقِنوا مُنذُ صِغَرِهم أن الخلق هم اولاد آدم وحواء، كما سمعوا عن شئ إسمه الدستور، وفيه نصٌ أن الاردنيين امام القانون سواسية. فكيفَ اذاً يُسخِرُ البعضُ القانونَ ليُصبحوا أثرياء، بينما يُسخِرُ القانونُ البقيةَ ليكونوا مصدر الثراء للاثرياء الفاسدين.
تتساءلُ فيروزُ، هل فرشتَ العُشبَ ليلا وتلحفت الفضاء، مُعتبرة ذلك مُعاناة. أينَ تلك المعاناةُ يا فيروزُ من مُعاناتِ الشعبِ الاردني؟ أين تلك المعاناةِ من مُعاناةِ الحراكيين الذين يُسكبُ لهم الزيتُ المحروقُ ليفترشوه أو يفترشهم في ساحة سيارات، الوصول اليها "للتعبير" عن معاناة الشعب، دونه خرقُ القتاد. فهيهاتَ هيهاتَ لِمن قَبلوا أن يَلتحفوا الامطار الغزيرة ويستنشقوا غازات القنابل المُنشفةِ للدموع، الناكئةِ للجروحِ، حتى لا يظلون وبقية الشعب، يلتحفون الديون والهموم والقهر والبطالة والمصير المجهول، أن ينسوا، وهيهات ان يزهدوا. هيهاتَ لمن سَلبتِ الحكومةُ منهم الناي حتى لا يُغنوا، ومن اضُطرَ لبيع نَايهِ الذي ورثه أو اشتراهُ بمال الغربة في الخليج، ليُسدد الضرائب التي تبتلعُها مِعدٌ لا تشبعُ ولا تقنع، أن يزهدَ وأن ينسى.
وكما استطاعت سفينةُ نُوحٍ أن تطفو فَوقَ الطوفان، فإن الحراكيين سيطفون فوق الزيت المحروق والمسامير والحواجز والقنابل. ليكونوا الشاهد التاريخي كما سفينة نوحٍ، على غرقِ الفاسدين الذين سَيسخطهمُ الشعبُ قبل أن تسخطهم السماء، ونجاة الانقياء والابرياء والصالحين. إنهم سفينة نوح الشعب الاردني المُستَلب.