وحدها، عين النسر تريك ما ترى. أما الطريدة، فلا تبصر سوى خوفها. واصطكاك فرائصها.بعين النسر ترى الخرائط بلا خطوط. خرائط ترسم حدودها البحار والهضاب والجبال والصحارى. فلا حدود في عين النسر، سوى الجغرافيا الطبيعية.
عين النسر تريك بلاداً اسقط الغزاة الأزليون اسمها من مفرداتهم. هي آسيا الغربية ، التي قيل عنها انها أعرق مناطق العالم حضارة . دُر مع الساعة. وسترى البحر يحيطها كسوار: بحر العرب فمضيق. ثم الأحمر فخليج. ثم الأبيض فمضيق. ثم الأسود فقزوين. ثم الخليج العربي، أو خليج فارس، ان شئت فمضيق. وكأن تاريخ الصراع البشري ترك الماء بلا لون في هذا الجزء من الكون. وثمة أحد متفائل يقترح الأخضر اسماً ولوناً لهذا البحر. فتكتمل دائرة الألوان والرموز للبلاد وجوارها: الأخضر والأبيض والأسود والأحمر..!!.
آسيا الغربية تشمل: شبه الجزيرة العربية وتركيا والهضبة الإيرانية، وما بينها من بلاد ودول: لبنان، سورية، العراق، الأردن، فلسطين، تركيا، إيران، اليمن، ودول الخليج الست. وهي بلاد تزيد مساحتها عن ستة ملايين كيلو متر مربع. ويعيش فيها أكثر من مئتي مليون من البشر. وفيها معظم وقود العالم الحديث وطاقته وثرواته. وهي موطن أديان العالم القديم وحضاراته وثقافاته.
إذا كانت الصقور تصيد لصياديها، فالنسور تصيد لذاتها. وعندها، يصير النسر طائر برق . وحكمة طائر البرق ان كثير النثّ صمتُ - وكثير الصمت بثُّ .
حين حلق النسر الأميركي لغزو العراق، التصقت طيور آسيا الغربية المرعوبة كلها بالأرض. الخوف، والوهم، أفقد الطرائد السيطرة حتى على أعضائها وأجسادها. وعمّ الشلل. وتوهمت كل طريدة انها ستكون الهدف التالي للنسر المُحلق. فصار الجميع، بعد الفريسة الأولى، حلفاء غبّ الطلب .
تغيرت مفردات الغزو. وكُسرت محرمات كثيرة. وفُتحت طريق واسعة لمثقفين ومعارضين إلى جهنمات ، كُتب على مداخلها زوراً جنات موعودة .
انتشى النسر بدماء طريدته. وحلّق عالياً في سماء آسيا الغربية، والشرق كله. لم تفاجأ الطيور المذعورة بتحليق النسر. غير انها ما تزال مرعوبة من تبدل نواياه.
كل القناديل اهتزت، ورجفت، وتوسلت بالزيت ان يستمر . فالرياح الكريهة هبّت، وعصفت. والرياح العظيمة يخنقها خراب كثير يتقد على النقرس الطائفي .
تلوّث وجه العنف. وضج الخطاب بدعاوى فارغة. فالمساحات الخضراء تحترق في وعي الناس. واللغة الخرساء تطفئ فوانيس العشق. وبوح الأسرار لا يليق، حين تبثّ الطواعين براغيثها ..!؟.
FAFIEH@YAHOO.COM