دعوة الكركي للقيام بانقلاب أبيض
نضال منصور
28-07-2009 09:43 PM
*** الأزمة في الحياة الجامعية تتجاوز أمر الانتخابات وتحتاج إلى معالجة جذرية تعيد الاعتبار للطلبة ودورهم
لا يحتاج الدكتور خالد الكركي إلى شهادة "حسن سلوك" فهو شخصية مقبولة من المؤسسات الرسمية والمعارضة.
د. الكركي ابن الدولة بامتياز، فلقد شغل رئاسة الديوان الملكي في أيام صعبة إبان احتلال العراق للكويت في عهد صدام، وكان وزيراً في الحكومة ونائباً لرئيس الوزراء.
والكركي أيضاً كان رئيساً لرابطة الكتاب حين كانت معقلاً للأحزاب السياسية السرية في زمن الأحكام العرفية، وفوق ذلك كله هو خطيب مفوه يحلم بإمارة الشعر ونرى معه وفيه المتنبي في أحلى تجلياته.
أسوق هذه المقدمة ليس للإطراء عليه ولكن لأقول بأن الكركي إذا ما اتخذ قرارات حاسمة فلن تجد من يخوّنه أو يشكك في نزاهته، ولذلك فهو مطالب اليوم قبل غد بإحداث ثورة "وإنقلاب أبيض" في الجامعة الأردنية "أمّ الجامعات" ليعيد لها ألقها وعنفوانها الذي يكاد يطيح به "الغوغاء" والزعران من الطلبة تحت يافطات عشائرية وإقليمية وهويات فرعية و"ولدنات" ومراهقات مكانها الشارع لا هذا المحراب المقدس.
حين تولى د. الكركي رئاسة الجامعة الأردنية دعانا لحفل جميل في حدائق الجامعة غنت وأبدعت فيه فرقة من الطلاب والطالبات الذين لا نسمع عنهم ولا نعرفهم بعد أن غطت على هذه الإبداعات "الطوش" الطلابية التي صارت حديث الإعلام والناس.
قلت للكركي يومها "نحن لا نعرف هذه الفرقة.. وأفضل وسيلة لتغيير صورة الجامعة هو انفتاحها على المجتمع بكل مكوناته، وتحدي التابوهات وكسر الأسوار حتى تكون (الأردنية) للجميع ولا يستفرد بها أحد".
الطوش والعنف في الجامعات ظاهرة لا تغطى بغربال. فلقد كشف قائد أقليم أمن العاصمة آنذاك العميد فهد الكساسبة، في دراسة نشرت له أن 767 مشاجرة حدثت داخل أسوار الجامعات بين عامي 1995 وحتى 2007 بمعدل "طوشة" كل أسبوع، وأعاد هذه المشكلات إلى مجموعة أسباب أبرزها غياب الحوار، حب الظهور، النعرات العشائرية والأقليمية وقلة الثقافة والديمقراطية.
وفي الاتجاه نفسه وباستطلاع أجرته الباحثة ربا العبابنة، من جامعة اليرموك عام 2007 تحدثت عن أسباب اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية لهذه الظاهرة المتصاعدة.
وفي البعد السياسي قالت إن المشكلة تعود لضعف التنظيمات والأحزاب السياسية، وتقييد حرية الطلاب وعدم السماح لهم بالمظاهرات.
أعلم أن الدكتور الكركي يدرك أبعاد هذه المشكلة "الفضيحة" وأعلم أنه حقق نصراً بإعادة الانتخابات لمجالس الطلبة، ولكنه مطالب بأكثر من ذلك، فالانتخابات الماضية كانت وللأسف فرصة للتحشيد العشائري والمناطقي أكثر من أي شيء آخر!
واقعنا الآن ثمرة وقطاف لسياسات رسمية شجعت وحشدت تيارا متعصبا لمواجهة التيار الإسلامي الذي سيطر على الجامعات منذ عام 1985 بدعم من الحكومات المتعاقبة لضرب القوى الطلابية اليسارية والقومية!
الأزمة في الحياة الجامعية تتجاوز أمر الانتخابات وتحتاج إلى معالجة جذرية تعيد الاعتبار للطلبة ودورهم في صياغة مستقبل الأردن.
من أين تبدأ المعالجة لهذه الأزمة: هل يمكن اعتبار نقطة البداية إطلاق الحريات الأكاديمية واستقلالية الجامعات بعد أن صادرت جهات متعددة حرية الأستاذ والطالب معاً؟!
أم أن المشكلة الرئيسية تكمن في انعزال الطالب عن الحياة السياسية والحزبية على عكس مرحلة ما قبل الديمقراطية عام 1989، حيث كانت الحركة الطلابية هي أساس العمل وكانت الجامعات تعج بالأنشطة السياسية والاجتماعية التي تعبر عن الحراك المجتمعي؟!
مجد ابني الأكبر يدرس في الجامعة الأردنية، وهو لا يمضي فيها أكثر من ساعات محاضراته ثم يغادر أسوارها، وهو أيضاً لا يجد فيها أنشطة أو تجمعات طلابية تدفعة للانخراط فيها، ويخبرني "بالطوش" التي تجري داخل أسوارها وأستمع باستياء لأسبابها!
كلامه وقصصه تعيدني إلى سنوات دراستي في اليرموك في أوائل الثمانينيات وكيف كنا نمضي ساعاتنا حتى الليل في الجامعة لا نغادرها حتى يطردونا. وكيف كان العمل الطلابي المسيس يشيع أجواء تبني أفق الطالب.
نترحم على تلك الأيام وأعود إلى الدكتور الكركي لأطالبه بأكثر من الكلام والشعر الجميل الذي يقوله.. أدعوه إلى "المواجهة" مع من يريدون عزل الجامعات ومن يخشون حريتها ويريدون مصادرة حركتها، أدعوه لأن يتصدى لهذه المهمة الأساسية اليوم.
لا أعتقد أن الكركي يخالفني الرأي، ولا أعتقد أنه يخشى هذه المواجهة فهو لن يخسرشيئاً؟!
nidal@cdfj.org