مجلس النواب .. قراءة في النهج وفي المنهج 2
أ.د عمر الحضرمي
02-01-2019 11:29 AM
في قول سبق أنْ انعقدْ، إنساق بنا التناول نحو مقاربة مفهوم «مجلس النواب» كمفردة من مفردات «الدولة» و«نظام الحكم» و«معطيات الديمقراطية» و«المشاركة السياسيّة».
وذهب الحديث إلى أن الدول النامية، أو تلك التي وصلت إلى المدارك المتقدمة من التحضّر والحداثة، أو حتى تلك التي تسكن في مجاهل التخلّف والاستبداد، تحاول كلها، بطريقة أو بأخرى، عمل شيء، إما أنه يَسُدّ رمقها ويوجّه سعيها وهي تنشد الصلاح والرشد، أو أنه يُظْهرها كدولة تسعى لنيل الدرجة المقبولة من الجودة والسداد، حتى لو كان ذلك شكليّاً.
وحسبما انتهى بنا الولوج إلى المربع الأخير من القول المشار إليه، فإن السؤال الذي يُعْلن عن نفسه ويفرضها يقول: هل نحن في الأردن، سواء كنا مواطنين أم نواباً، ندرك ما معنى مجلس النواب؟ أو ما هي طبيعته؟ أو ما هي حدوده؟ أو ما هي مهامه؟ أو ما هي دلالاته؟ وهل فهمنا، نواباً ومواطنين، أبعاد أنْ يكون لدينا مجلس يمثل فئات الشعب؟ وهل يمارس النواب وظيفتهم على الوجه الصحيح، أم حدثت إختلالات في هذه المسيرة؟ إن التساؤل الكبير الذي يثور حول السلطة التشريعية في الأردن يدور في محورين؛ أولهما «قانون الانتخاب» الذي لم يستقر، إلى اليوم، على صورة تُرْضي المواطن الذي يريد قانوناً يُخْرِج الشق الثاني من مجلس الأمة، ونقصد به مجلس النواب (البرلمان)، على صورة تتوافق مع المفهوم الحديث لمثل هذا المجلس في الدول المتحضرة، خاصة الأوروبيّة
منها.
وأنّ الذي يثير العجب لدى المواطن الأردني هو أن هذه التجارب هي ماثلة للعيان، إلا أن ما يعيق تطبيقها هو تلك الحالة الاجتماعية التي نعيشها، سواء ما كان الثقافي منها أم الديمغرافي أم الطبقي أم الفهم السياسي لمعنى التمثيل النيابي.
أما المحور الثاني الذي يضعنا في حالة الارتباك، فيتمثل في عدم فهم النائب لمدارات الوظيفة النيابيّة التي أجمع النظام النيابي العالمي على أنها تكاد تنحصر في المهمة «التشريعية» وتلك «الرقابيّة»، وذلك بعد أن وجدنا أن العديد من نوابنا ينشغلون بالوظيفة «الخدماتية» المحصورة في الدوائر الخاصة بالنائب.
وهنا تكمن حالة الاضطراب التي انبثقت من واقع أن الوظيفة الخدماتية هي، في الأصل، من اختصاص السلطة التنفيذّية الموكولة بهذه الوظيفة، إلا أن الحكومة تركت الباب مفتوحاً أمام النائب لينشغل في مهام التوظيف والتشغيل للمواطنين، فأصبح هذا النائب، الباحث عن ترشيح وإعادة انتخاب قادم، مشغولاً في جمع الأصوات والتأييد، دون الالتفات ، بشكل جدّي ورئيسي، إلى مهمتي التشريع والرقابة. فبدأ النواب يقايضون الحكومة بتلك التوظيفات مقابل السكوت عن الرقابة، وراحوا يتبادلون معها قبول تصرفاتها مقابل تأمين الوظائف للناخب وبطانته، عندها صار النائب منشغلاً بأمور دائرته بدل أن يكون نائب وطن، وذلك بعد أن أصبح موكولاً بوظيفة هي، في الأساس، من مهام الحكومة التي استطاعت أن تبيعه بضاعة، هي في الأصل من واجباتها.
وهكذا دخلنا في دوائر ضبابيّة وفي مسيرات قانونية وإدارية مرتبكة بعد أن تحوّل النائب، في كثير من الأحيان، إلى باحث عن موافقات السلطة التنفيذية ورضاها عنه، بدلا من أن تصبح هي تحت مراقبته ومساءلته.
وحتى نَخْرج من هذه المفارقة، لابد من وضع الأمور في نصابها، أي أن تعود السلطة التنفيذية لتولي مهامها، وأن يعود النائب إلى ممارسة وكالته الأساسية والأصيلة القائمة على الرصد والتوجيه والمساءلة، عندها فقط سيصلح الأمر، ونصل إلى المراتب المنشودة من الحداثة والتطور.
وتظل جملة نهائية نسطرّها بعد الفاصلة الأخيرة، مفادها أن الصوت العالي، ومطارحة الزملاء الصراخ فيما بينهم، أصبحتا ظاهرة ارتاحت لها السلطات الأخرى على الضفّة الثانية من الدولة.
رجاء دعونا نخرج من المناكفات البينيّة، ودعونا نذهب إلى توحيد الجهد والفكر والتوجّه، حتى يمكن أنْ نصل إلى صيغة «مجلس النواب» على مقاسات التحضر والحداثة والصّدْقيّة.
* دعونا نخرج من المناكفات البينيّة ونذهب إلى توحيد الجهد والفكر والتوجّه لنصل إلى صيغة «مجلس النواب» على مقاسات التحضر والحداثة والصّدْقيّة
Email: ohhadrami@hotmail.com
الرأي